واعلم أنَّ مشايخنا قالوا: إذا كان أبو حنيفة في جانب، وأبو يوسف ومحمَّد في جانب، فالمفتي بالخيار إن شاء أخذ بقوله، وإن شاء أخذ بقولهما.
وفي "الخلاصة" نقلًا عن الأقضية، عن عبد الله بن المبارك: ينبغي أن يأخذ بقول أبي حنيفة، وإن كان أحدهما مع أبي حنيفة يأخذ بقولهما البتَّة، إلا إذا اصطلح المشايخ على الأخذ بقول ذلك الواحد فيتبع اصطلاحهم.
[كما اختار الفقيه أبو اللَّيث قولَ زفر في قعود المريض للصلاة أنه يقعد كما يقعد المصلي في التشهد؛ لأنّه أيسر على المريض، وإن كان قول أصحابنا أنّه يقعد المريض في حال القيام متربعًا أو محتبيًا؛ ليكون فرقًا بين القعدة والقعود.
كما أفتى الصَّدر الشَّهيد بقول زفر حيث قال في "واقعاته": الوكيل بالتقاضي أو بالخصومة ليس له أن يقبض الدِّين في زماننا؛ لأنّ الخيانة ظهرت فيما بين الناس، وعند الأئمة الثلاثة الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض، والفتوى اليوم على قول زفر؛ لظهور الخيانة في الوكلاء، كما في "الهداية" وغيرها.
وكما أفتى علماء الأمصار في صحة وقف النُّقود بقول زفر على رواية الأنصاري عنه، وعمل عليها الولاةُ والحكَّام؛ لإتمام وجوه الخيرات الحسان، وانتظام مصالح المحتاجين من أبناء الزمان.
وذكر في الباب الأول من كتاب الحوالة من "جواهر الفتاوى": رجل باع من آخر شيئًا، فأحال بالثمن على آخر، ثم تقايلا البيع، أو رد المبيع بعيب، فإنّه لا تبطل الحوالة، ولو استحق المبيع تبطل عند علمائنا الثلاثة، وعند زفر تبطل الحوالة في جميع الوجوه.
حكى أنّ الصَّدر الشَّهيد ركن الدِّين أبا الفضل عبد الرَّحمن بن محمَّد الكَرْماني،