للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[خاتمة الكتاب جامعة الغرائب]

وقد كان في فكري في ابتداء كتابي هذا أن أجمع في خاتمته غرائب مسائل الفنون، ولكن حول قلبي خوفَ غوائل ريب المنون، وإني كنت في أوان شروعي متزعزعًا في قضاء القضاء، فاستعفيت وافتقرت، حسبما قدَّر الله تعالى وقضى.

وأنا في الحال بحمد الله باكٍ متضرِّع في فيافي الغناء، فيا حسرتي على شيبة ضيعته، ثم يا حسرتي على زمان كهولة ودَّعته، حتى أفنيت ستين سنة في اتباع الشَّهوات وارتكاب المحظورات واكتساب السَّيئات، فجعلت عرضي فيها عرضة للشتائم، وخلط الأعمال الصالحة بالمآثم والجرائم.

فكيف الحال؟! وإلامَ ينجرُّ المآل؟! ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: ٣٠]، ولست أرى يومئذ من ثمراتها إلا أدمعًا مغضوضة، وعظامًا مرضوضة، وأجفانًا مفضوضة، ولو دعاني داعي القضاء، وناداني منادي الفناء، وأنا في هاتيك الأعمال الدَّنية، والأشغال الرديَّة، فلا مرحبًا بها، نعوذ بالله من ذلَّة الشَّقاء، وميتتة الأشقياء، فإنها من أشدِّ النَّوائب المشققة للمريطاوات، وأعظم المصائب المحرقة للسويداوات، وها لا شغل في اليوم إلا الحسرة والنَّدامة، والرجوع إلى الله بالتَّوبة والإنابة.

ثم رفع اليد إلى جنابه، وهو الكريم الرَّحيم، سائلًا من فضله الجسيم، وكرمه

<<  <  ج: ص:  >  >>