فجرَّتْ عليه الرَّاسياتُ ذيولَها … فخرَّت عروشٌ فيه ثمَّ دِعَامُ
وسِيْقَ إلى دارِ المهانةِ أهلُها … مساقَ أسيرٍ لا يزالُ يُضامُ
ثم تلاهُ بنوه، وزوَّدوه والدُّوا فعله وأيَّدوه، حتى قصد هُلاكو الكافر ابن جنكز الفاجر، ببغداد بجيشٍ عَرَمْرَمٍ، في زمانِ الخليفةِ المستعصم، آخر الخلفاء العبَّاسيَّة في سنة ستٍّ وخمسين وستِّمئة، ونزل على بغداد وقتل الخليفة، وهجم عسكر التَّاتار الفجرة دارَ الخلافة، وقتلوا مَنْ كان ببغداد من الفقهاء وسائر المسلمين، وبقي بلاد الإسلام بلا خليفة ثلاث سنين، وكان ذلك بفتنة وزيره ابن العلقميِّ نور الدِّين الخبيث الرَّافضي، فانقرضَتْ الدَّولة العباسيَّة من العراق، وسقى الدَّهرُ أهلَها كأسَ الفِراق، بالسَّيف والدَّم المهراق، وانعكس حال العلمِ في هذه الأيَّام، وارتحل بقيَّة السُّيوف من أهاليه إلى أرض مصر وبلاد الشَّام.
فما يُرَى قلَّ مَنْ فيها أخو أدبٍ … ولم يخُطْ ولو سَطْرًا على ورقِ
وكانَ فقهاءُ الحنفيَّة في تلكَ الدِّيار قليلًا، وللواردِيْن ما يُشْفي لقاؤهم عَليلًا، فساروا بأهاليهم إلى دمشق وحلب المحروسة، مقتبسين بـ ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ