للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فهو وإن كان من أهل الكشف فما كشف الله له عن قدره ومنزلته، فجهل نفسه فعمل على المشاهدة، والكامل من عمل على الإيمان مع ذوق العيان، وما انتقل ولا أثر فيه العيان، وما رأيت لهذا المقام ذائقًا بالحال، وأنا أعلم أنّ له رجالًا في العالم لكن ما جمع الله بيني وبينهم في رؤية أعيانهم وأسمائهم، فقد يمكن أن أكون رأيت منهم وما جمعت بين عينه واسمه. وكان سبب ذلك أني ما علقت نفسي قط إلى جانب الحق أن يطلعني على كون من الأكوان ولا حادثة من الحوادث، وإنما علقت نفسي مع الله أن يستعملني فيما يرضيه ولا يستعملني فيما يبعدني (١) عنه، وأن يخصني بمقام لا يكون المتبع أعلى منه، ولو أشركني فيه جميع من في العالم لم نتأثر (٢) لذلك، فإني عبد محض لا أطلب التفوق على عباده، بل جعل الله في نفسي من الفرح أني أتمنى أن يكون العالم كله على قدم واحدة في أعلى المراتب، فخصني الله بخاتمة أمر لم يخطر لي ببالي، فشكرت الله بالعجز عن شكره مع توفيتي في الشكر حقه (٣).

وما ذكرت ما ذكرته من حالي للفخر، لا والله، وإنما ذكرته لأمرين: الأمر الواحد لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١] وأية نعمة أعظم من هذه، والأمر الآخر يسمع صاحب همه فتحدث فيه همته لاستعمال نفسه فيما استعملتها، فينال مثل هذا، فيكون معي وفي درجتي، وأنّه لا ضيق ولا حرج إلا في المحسوس.

وذكر الشَّيخ الأكبر في "الفتوحات المكية" في الباب الأحد والثلاثين ومئة، في مقام ترك العبودية: لما وصلت إلى هذا المقام نمت فرأيت النبي في المنام،


(١) أ: يباعدني.
(٢) ع: يتأثر.
(٣) ساقطة من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>