للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال الشَّيخ الأكبر محيي الدِّين بن العربي هذا في حكاية حاله في "الفتوحات": ولقد آمنا بالله وبرسوله، وبما جاء به مجملًا ومفصَّلًا مما وصل إلينا من تفصيله وما لم يصل إلينا أو لم يثبت عندنا، فنحن مؤمنون بكل ما جاء به في نفس الأمر، أخذت ذلك عن أبويَّ أخذ تقليد، ولم يخطر لي ما حكم النظر العقلي فيه من جواز وإحالة ووجوب، فعملت على إيماني بذلك حتى علمت من أين آمنت؟ وبماذا آمنت؟ وكشف الله عن بصري وبصيرتي وخيالي، فرأيت بعين البصر ما لا (١) يدرك إلا به، ورأيت بعين البصيرة ما لا يدرك إلا به، ورأيت بعين الخيال ما لا يدرك إلا به، فصار الأمر لي مشهودًا، والحكم المتخيل الموهوم بالتقليد موجودًا، فعلمت قدر من اتبعته وهو الرسول المبعوث إلي محمَّد ، (وشاهدت جميع الأنبياء كلهم من آدم إلى محمَّد (٢)، وأشهدني الله تعالى المؤمنين بهم كلهم، حتى ما بقي من أحد ممن كان ويكون إلى يوم القيامة خاصتهم وعامتهم.

ورأيت مراتب الجماعة كلهم فعلمت إقرارهم، واطلعت على جميع ما آمنت به مجملًا مما هو في العالم العلوي، وشهدت ذلك كله، فما زحزحني علم ما رأيته وعاينته عن إيماني، فلم أزل أقول وأعمل ما أقوله وأعمله؛ لقول النبي : "لا لعلمي ولا لعيني ولا لشهودي فواخيت بين الإيمان والعيان" (٣)، وهذا عزيز الوجود في الاتباع، فإن مزلة أقدام الأكابر إنّما تكون هنا إذا وقعت المعاينة لما وقع به الإيمان، فيعمل على عين لا على إيمان (٤)، فلم يجمع بينهما، فغاية الكمال أن يعرف قدره ومنزلته.


(١) ساقطة من: أ.
(٢) ساقطة من: أ.
(٣) لم أعثر عليه.
(٤) ض: الإيمان، أ: أعيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>