للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"التوبة تمحو الحَوبة (١) "، والتوبة هو النَّدم؛ لقوله : "النَّدم توبة (٢) ".

فقضية هذا: أن لا تجب الكفارة في اليمين المعقودة لأنا عدلنا عنه ثمَّة بالنص، والنص الوارد ثمَّة لا يكون واردًا هاهنا لأنّه ليس بمعناه من كل وجه؛ لأن الذنب ثمة ذنب الحنث، وهاهنا ذنب الكذب، وإنه دونه، والرافع للأدون لا يكون رافعًا للأعلى، أو نقول: الكفارة شرعت لرفع ذنب الحنث، والحنث هاهنا لا يتصور فلا يتصور ذنبه.

وأما التي نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها فهي اللغو، وهو أن يحلف على شيء في الماضي على ظن أنّه كذلك وأنَّه بخلافه، وقال الشَّافعي: اللغو هي اليمين التي لا يقصدها الحالف، سواء كان في الماضي أو في المستقبل.

لنا أنّ اللغو هو الخالي عن الفائدة، والفائدة المطلوبة من اليمين إنّما هي البر، وإنه لا يتصور في الماضي، فقد خلت اليمين عن الفائدة فسميت لغوًا، ولهذا قلنا: الغموس من جملة اللغو في أحكام الدنيا دون العقبى، والمؤاخذة المطلقة تنصرف إلى المؤاخذة في العقبي.

وإنّما قال: "نرجو أن لا يؤاخذ" وإن نصَّ الله تعالى على عدم المؤاخذة به؛ لأن الله تعالى لم يفسر اللغو، وإنه صار إلى هذا التفسير بضرب رأي واجتهاد، وإنه


(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (١/ ٢٧٠) من حديث شداد بن أوس ، ولفظه: "التَّوبة تغسل الحوبَةَ". وهو من قصة طويلة، قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (٢/ ٢٧٥): هذه القصة مطولة جدًّا، ولكن عمر بن صبح هذا متروك كذاب متهم بالوضع، فلهذا لم نذكر لفظ الحديث إذ لا يفرح به.
(٢) رواه أحمد في "المسند" (١/ ٣٧٦)، وابن ماجه (٤٢٥٢)، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (١٣/ ٤٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>