للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

رَبِّي﴾ لم يكن شاكًّا، كما لم يكن في قوله: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ كاذبًا، وسَوْقُ الكلام على جهة الإلزام غيرٌ، وسَوْقُه على جهة الالتزام غيرٌ، فإنَّ منْ دأبِ المجادل المستدلِّ على فساد قولِ خصمه أن يحكيَ قولَه كما هو غير متعصِّبٍ لمذهبه، ثمَّ يكرَّ عليه بالإبطال، ولعلَّ ذلك أدعى إلى الحقِّ، وأنجى من الشَّغبِ.

قال شيخ الإسلام العمادي (١) في "الإرشاد": ولعلَّ سلوكَ هذه الطَّريقة في بيانِ استحالة ربوبيَّة الكواكبِ دونَ بيان استحالة آلهيَّة الأصنام لما أنَّ هذا أخفى بطلانًا واستحالةً من الأوَّل، فلو صَدَع بالحقِّ مِنْ أوَّلِ الأمر كما فعله في حقِّ عبادة الأصنام لتمادوا في المكابرة والعِناد، ولجُّوا في طغيانهم يَعمهون. انتهى.

فلمَّا أظهر (٢) الحجَّة وبيَّن المحجَّة قرَّر الحنيفيَّة الَّتي هي الملَّة الكُبْرى والشَّريعة العُظمى، وأبطلَ مذهب الصَّابئة الَّذي هو زيغٌ في القُلوب واتِّباع الهوى، يُقال: صَبا الرَّجل: إذا زاغَ، فيحكم بميل هؤلاء عن سَنَنِ الحقِّ، وزَيغهم عن نهج الأنبياء = قيل لهم: الصَّابئيَّة.

وقد يقال: صَبا الرَّجل: إذا عشقَ وهَوِيَ، وبيَّن أنَّ الفطرةَ هي الحنيفيَّة، وأنَّ الطَّهارة فيها، وأنَّ الشَّهادة بالتَّوحيد مقصورة عليها، وأنَّ النَّجاة والخَلاصَ متعلِّقة بها، وأنَّ الشَّرائع والأحكام مَشارعُ ومناهج عليها، وأنَّ الأنبياء والرُّسل مبعوثون بتقريرها وتقديرها، وأنَّ الفاتحة والخاتمة مَنوطةٌ بتحصيلها وتخليصها وتحريرها، ذلك الدِّين القيِّم، والصِّراط المستقيم، والمَنْهج الواضِح،


(١) هو المشهور بأبي السعود، و (الإرشاد) تفسيره المعروف بتفسير أبي السعود، واسمه كاملًا: "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم".
(٢) ض: ظهر. ع: ظهرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>