للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكانت الفِرَقُ في زمن الخليل راجعةً إلى صنفَيْن؛ أحدهما الصَّابئيَّة، والثَّاني الحنفاء، فالصَّابئيَّة كانت تقول: إنما نحتاج في معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأوامره وأحكامه إلى متوسِط، لكنَّ ذلك المتوسِط يجب أن يكون روحانيًّا لا جسمانيًّا، وذلك ينبغي أن يكون أزكى الرُّوحانيَّات وأطهرها وأقربها من ربِّ الأرباب، والجسمانيُّ بشرٌ مثلُنا يأكل ما نأكل، ويشربُ ما نشرب، يماثلنا في المادَّة والصُّورة، قالوا: ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٤].

والحنفاء تقول: إنما نحتاجُ في معرفة الله تعالى وطاعته إلى متوسِطٍ من جنس البشر، تكون درجتُه في الطَّاعة والعصمة فوق الرُّوحانيَّات، يماثلُنا من حيث البشريَّة (١)، ويمايزُنا من حيث الرُّوحانيَّة، فيُلْقى إليه الوحيُّ بطرف الرُّوحانيَّة، ويُلْقَى الوحيُّ إلى نوع الإنسان بطرف البشريَّة، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: ١١٠، فصلت: ٦]، وقال تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣].

ثمَّ لَمَّا لمْ يتطرَّق للصَّابئيَّة الاقتصار على الرُّوحانيات التَّحتيَّة، والتَّقرب إليه بأعيانها، والتَّلقي منها بذواتها؛ استغاثَتْ وفزعَتْ جماعةٌ إلى هياكِلها، واتخذوا وسائط إليها، وهي السَّيَّارات السَّبع وبعض الثَّوابت، فصابئة الرُّوم مفزعها السَّيَّارات، وصابئة الهند مفزعها الثَّوابت، وربَّما نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص الَّتي لا تَسْمعُ ولا تُبْصُر ولا تغني عن الإنسان شيئًا، والفرقة الأولى: هم عبدة الكواكب، والثَّانية: هم عبدة الأصنام.

وكانَ الخليلُ مكلَّفًا (٢) بكسر المذهبين على الفرقتين، وتكليف


(١) ع: البشريات.
(٢) أ: تكلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>