للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أخبرني بالجواب. فقلت في نفسي: لا حاجة لي في علم الكلام. فتحوَّلت إلى حلقة حمَّاد، وكان إذا ذكر المسألة أحفظ قولَه، فإذا كرَّر أحفظ الجواب ويخطئ أصحابه، فقال يومًا: لا يجلس في الحلقة [قبالتي غيرك] (١)، فلزمتُه عشر سنين. ثم أردت أنفرد في حلقة فلمَّا دخلت المسجد على ذلك العزم لم أملك الخلاف، فجلست في الحلقة فأخبر بموت حميم [له] بالبصرة، فخرج حمَّاد إليه وأجلسني مكانه، فوردَتْ عليَّ ستون مسألة لم أحفظ جوابها، فأجبْتُ، وكتبْتُ جوابي، فخالفني في عشرين، فحلفْتُ أن لا أفارقه إلى الموت، فلازمته ثماني عشرة سنة.

قيل له: كيف اخترْتَ حمادًا؟ قال: بتوفيق الله تعالى، تأمَّلْتُ في العلوم، فقلْتُ: الكلام عاقبته سوء، ونفعه قليل، (من تبحَّر فيه لا يقدر على الكلام جهارًا، ويُرْمَى بالهوى) (٢)، وعاقبة الأدب مجالسة الصبيان، (وعاقبة الشِّعر التكدي بالمدح، وقول الجفاء والخناء وتمزيق الدِّين) (٣)، وعلم القراءة بعد جمع الكثير منه في العمر الطويل مجالسة الأحداث، وربما يُرْمَى بسوء الحفظ، وعلم الفقه أولًا مجالسة المشايخ والتخلق بأخلاقهم مع الجلالة، (ولا يستقيم أداء التكاليف إلا به) (٤)، وحصول نجاة الدَّارين متعلق به، ولو نزلت نازلة في الحي احتاجوك، فإن أردت الدنيا نلت به، ولا يقدر أحد أن يتعبَّد إلا به، فلذلك اخترْتُ حمَّادًا.

روي أنَّه خرج حمَّاد حاجًّا، فخلف (٥) الإمام مكانه، فوجدوا عنده ما لم يجدوا عند (٦) غيره من كلِّ الأبواب، فلازموه وتركوا غيره.


(١) ما بين معكوفتين زيادة من "طبقات الحنفية" لأبي الوفاء القرشي (٢/ ٤٦٣).
(٢) ساقطة من: ع.
(٣) ساقطة من: ع.
(٤) ساقطة من: ع.
(٥) ع: واستخلف.
(٦) ض: من.

<<  <  ج: ص:  >  >>