للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ثم قال: وكذلك الإيمان مراتب، فأول مرتبة تصديق القلب بحقائق الغيب بلا ريب، كما روى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله : "الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان" (١).

والمرتبة الثانية من الإيمان: أن يؤمن بغيب الغيب، ولهذا الإيمان مرتبتان: فالمرتبة الأولى أن يتخلص قلبه بالنور الغيبي الذي هو من الله عن تعلقات الجسمانيات، وحجب آفات النفس وصفاتها، ويهتدى إلى عالم الأرواح، كما أن أول العهد ويوم الميثاق، فالغيب الروحاني لا يبقى له غيب، لأنه ارتفعت الحجب وصار حضور أو شهود؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: ١١] أي: من كان إيمانه بنور الله يهدي قلبه إلى الله، فيشاهد القلب ما كان الروح يشاهده في عالم الأرواح، وما كانت الذرة تشاهده يوم الميثاق، وتسمع من خطاب الرب (٢) ما كانت تسمع، وتتنور بنور تنورت الذرة به، وتتنسم نفحات ألطاف الحق ما تتنسم، فالإيمان الغيبي يصير غيبيًا.

فكتب الله تعالى الإيمان بنور غيب الغيب في قلبه، كما قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة: ٢٢]، فينور ذلك الإيمان ويتأيد ذلك الروح، يشاهد أنوار الفضل الإلهي، فيشتاق شوق موسى ، ويقول: ﴿لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾، وهو الروح والجسم؛ ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾، فيرتقي عن عالم الأرواح ويقول: ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠]، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ﴾ وهو حظائر القدس ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ وهي


(١) رواه ابن ماجه (٦٥)، قال ابن القيم: موضوع ليس من كلام رسول الله . انظر: "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" (١٢/ ٢٩٤).
(٢) أ: الروح.

<<  <  ج: ص:  >  >>