للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

على الهداية بالتقوى وقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، فالهداية تكون على قدر التقوى. والتقوى على ثلاثة أوجه: تقوى العام عن الشرك والكفران، وتقوى الخاص عن الذنوب والعصيان، وتقوى الأخص (١) عن ملاحظة غير الرَّحمن.

فهداية العام بالإيمان والإسلام، وهداية الخاص بالإيقان والإحسان، وهداية الأخص بكشف الحجب ومشاهدة العيان ليتقي بنفسه بربه، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٩٧]، والمتقون هم الذين أوفوا بعهد الله من بعد ميثاقه، ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل من مأمورات الشرع ظاهرًا وباطنًا، وانقطعوا عما نهاهم الله الله عنه من منهيات الشرع ظاهرًا وباطنًا، يدل على هذا قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: ٤٠]، وحقيقة التقوى الإعراض عن الدينا والعقبى بالإقبال على المولى.

ثم قال الشَّيخ نجم الدِّين دايه: والله أعلم إن الغيب غيبان: غيب غائب عنك، وغيب غبت عنه، فالذي غائب عنك عالم الأرواح، فإنّه قد كان حاضرًا لك حين كنت فيه بالروح وبذرة وجودك في عهد ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، واستماع خطاب الحق ومطالعة آثار الربوبية وشهود الملائكة وتعارف الأرواح من الأنبياء والأولياء وغيرهم، فغاب عنك إذا تعلقت بالقالب، ونظرت بالحواس الخمس إلى المحسوسات من عالم الأجسام.

وأما الغيب الذي غبت عنه فغيب الغيب، وهو حضرة الربوبية، قد غبت عنه (٢) بالوجود وما غاب عنك بالوجود، وهو معكم أينما كنتم، أنت بعيد منه وهو قريب منك، كما قال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [سورة ق: ١٦].


(١) ع: الخاص.
(٢) ساقطة من: ض.

<<  <  ج: ص:  >  >>