واتفق إنشاؤها في شهور سنة خمس وسبعين وستمئة، ورأيت فيه كتاب إجازة تلميذه محمود بن الحسن المعيني الشهركندي، وقد اتفق إنشاؤها في شهور سنة إحدى وثمانين وستمئة، وهذه صورته:
قال بعد التحميد: ومن جلائلِ نعم الله تعالى لم يخلُ في زمانٍ من الأزمنة مِصْرًا من الأمصار ولا مكانًا من الأمكنة عن جماعة تتصدَّى لاقتباس العلم ودراسته، وتجتهد في صونه عن الضياع وحراسته.
وممَّن جعل الله توفيقه رفيقهم، وسهل إلى اقتناص شوارد الفضائل طريقهم (١)، حامل هذه الأسطر الإمام الأفضل الأشرف الأكمل، بدر الأئمَّة، مفخر أهل العمة، حائز قَصَب السَّبْق في مضمار الفضائل، المختص بحسن الأخلاق وطيب الشمائل، محمود بن الحسن بن علي المعيني الشهركندي، بلغه الله في العلم أقصى درجات الكمال، ومتَّعه بما خوَّله في الحال والمآل، وزاده رغبة في تحصيل أقسام الآداب، وخصَّه بمزيد الفضل ومزية الشرف من بين الأصحاب، فهو وإن كان ما به من عيلته وإقلاله، وتمكن الخلل المتطرق إلى أحواله، يتباطآنه عن المداومة على الاستفادة والمواظبة، ويحملانه على التنكب عنهما والمجانبة، يبذل جهده في اكتساب ما يرفع في الدَّارين قدره، ويطلع من أفق النَّباهة بدره.
ولقد حصل في ابتداء أمره وريعان عمره من أفراد اللغة ما نفع به غلة صداه، ولم يبلغ أحد من أقرانه مداه، ثم ارتقى به الأمر إلى أن قرأ علي أكثر ديوان شعر الأمير جمال الدِّين تاج خراسان فخر الرؤساء أفضل الدولة أبي المطهَّر محمَّد بن أبي العبَّاس أحمد الأبيوردي الأموي، ﵀ قراءة مطلعٍ على معانيه، مستكشف لغوامض أصوله ومبانيه، وسمع الباقي بقراءة غيره علي، حتى ساعت له روايته عني عن آخره.