أقول: قد احتوى على علوم أخرى مثل الطِّبِّ؛ فإنَّ مدارَه حفظُ نظام الصَّحة واستحكام القوَّة ومعرفة ما يفيد نظام الصحَّة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله، ويدل عليها قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: ٦٧].
وفيه إشارة إلى اعتدال المزاج بتفاعل الكيفيَّات المتضادَّة، مثل قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩].
ومنها علم الهَيْئة كما في تضاعيف الآيات التكوينيَّة المنصوبة في ملكوت السموات والأرض.
ولو تأمَّلْتَ في تضاعيف آيات التَّنزيل الجليل لأخذْتَ منها الإشارات إلى فنونٍ عديدةٍ لا تكاد تنحصر، كقوله تعالى: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]، يكاد يستنبط منه المنطق والجدل، ومنها مناظرة إبراهيم ﵇ بنمرود، ومحاجَّة قومه، وحكايات بني إسرائيل، وقصة موسى وعيسى، وغير ذلك مما ذكر في تضاعيف الآيات التَّكوينيَّة والمنصوبة في الأنفس والآفاق يمكن أن يؤخذ منها بالحلِّ والعقد، والتَّقييد والإطلاق، والخلاف والجدل، والمعارضة والمناقضة، والجبر والمقابلة، والتاريخ والأعوام والأيام.