الطريق إلى "كتاب سيبويه"؛ لأنا لا نعلم أحدًا قرأه على سيبويه، ولا قرأه سيبويه على أحد، ولما توفي سيبويه قُرِأ "الكتاب" على أبي الحسن الأخفش.
وكان ممن قرأ عليه أبو عَمْرو الجرمي وأبو عُثمان المازني وكانا رفيقين، وسبب قراءتهما أنهما توهَّما أنَّ أبا الحسن الأخفش قد هم أنّه يدعي "الكتاب" لنفسه لما رآه لا نظير له في حسنه وصحته، وجمعه لأصول النحو وفروعه، واستحسنه كل الاستحسان، فقال أحدهما للآخر: كيف السبيل إلى إظهار "الكتاب"؟ ومنع الأخفش من ادعائه فقال له: نقرأه عليه، فإذا قرأناه عليه أظهرناه وأشَعْنا أنّه لسيبويه، فلا يمكنه أن يدعيه، فكان أبو عَمْرو الجرمي موسرًا وأبو عُثمان المازني معسرًا، فأرغب أبو عَمْرو الجرمي أبا الأخفش وبذل له شيئًا من المال على أن يقرأه وأبا عُثمان المازني "الكتاب"، فشرعا في القراءة عليه وأخذ "الكتاب"، وأظهر أنّه لسيبويه، وأشاعا ذلك، إلى هنا من كلام الأنباري.
وأبو عبيدة أخذ عن أبي الخطاب الأخفش، والأصمعي أخذ عن سيد أهل الأدب الخليل بن أحمد، وهو أستاذ سيبويه، وعامة الحكاية في "كتاب سيبويه" عن الخليل.
قال الأنباري: كلما قال سيبويه: (وسألته)، أو (قال) من غير أن يذكر قائله فهو الخليل، وهو أول من استخرج علم العروض، وأول من حصر أشعار العرب، وكان ﵀ من الزهاد في الدنيا المعرضين عنها.
يروي أنّه وجه إليه سليمان بن علي من الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا وقال: كل فما عندي غيره، وما دمت أجده لا حاجة لي إلى سليمان.