تلك البقاع، حتى إذا ظهر وأعلن بفَارَان - يعني: جبال مكة - وهاجر إلى دار هجرته يثرب نصروه وعاونوه، وذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩، ٩٠].
وإنما الخلاف بين اليهود والنصارى ما كان (١) يرتفع إلا بحكمة إذ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ١١٣]. وكان النبيّ ﷺ يقول: ﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٦٨].
وما كان يمكن إقامتها إلا بإقامة القرآن وتحكيم نبيِّ الرَّحمة ورسول آخر الزَّمان، فلمَّا أبَوا ذلك ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٦١]
قال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا﴾ [الأعراف: ١٤٥] مما يحتاجون إليه من أمر الدين، إشارة إلى تمام القسم العمليِّ ﴿وَتَفْصِيلًا﴾ إشارة إلى تمام القسم العلميِّ.
واليهود تدّعي أنّ الشَّريعة لا تكون إلا واحدة، وهي ابتدأت بموسى ﵇ وتمَّت، ولم يكن قبله شريعة إلا حدود عقليَّة، وأحكام مصلحيَّة، ولم يجوِّزوا النَّسخ أصلًا، قالوا: ولا يكون بعدَه شريعة أخرى.
ومن العجب أنَّ في التَّوراة أنّ الأسباط من بني إسرائيل كانوا يراجعون إلى