للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وحاجَّ إبراهيمُ في ربِّه نَمْرود بن كَنْعان، وهو أوَّلُ من تجبَّر وتمرَّد (١) وغَصَب، وأوَّلُ من لبس التَّاج، وكان له معرفةٌ في أمر النُّجوم، ووضع فيها، ونظر فيها وعمل به.

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ﴾ [البقرة: ٢٥٨]؛ إن كان المراد في ربِّ إبراهيم فالإضافة لتعظيم المضاف إليه، وللإشارة إلى غَلَبَة إبراهيم وظَفَره عليه؛ إذْ مِنْ حقِّ المربِّي أنْ ينصرَ مربَّاه على أعدائِه، وإنْ كان في ربِّ نَمْرُود يكون لإظهار حماقته أوَّلًا، إذ لا عاقل يحاجُّ (٢) في ربِّه وخالقه، فهو خارج عن دائرة العقلاء لِكَمال حماقته.

وفيه تعجيبٌ من محاجَّة نَمْرُود وحماقته وكُفْران نعمته؛ يعني: حاجَّه لأجل إيتاء الملك له، تنكرًا له، على طريقة العكس، يعني: أنَّ إيتاءَ الملك له نعمة له من ربِّه توجِبُ الشُّكر بالنِّسبة إليه سبحانه، وقد جعل موضع الشُّكرِ المحاجَّةَ مع إبراهيم التي هي منافية للشُّكر، وهذا في غاية الحماقة.

ونظيرهما وقع في سورة الواقعة: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨٢]، أي: لأنَّكم تكذبون، ويحتمل أن يكون معناه: لأَنْ آتَاهُ (٣) الله الْمُلْكَ، بمعنى: أنَّ إيتاء الملك له يصير سببًا للمحاجَّة؛ لأنَّ المُلك أبطر المَلِكَ في الأغلب وأورثه الكِبْرَ والعُتُوَّ.

﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة: ٢٥٨]، أعرض إبراهيم عن الاعتراض على المعارضة الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه، على نحو هذا التَّنويه؛ دفعًا للمشاغبة.


(١) ساقطة من: ض، أ.
(٢) ض، ع: يحتاج.
(٣) ع: إيتاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>