للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لم يشعر، قال: وكان في قلبي منه شيء حتى بان لي أنّ الأمر كذلك، انتهى.

ثم قال الإمام الرَّازِي: قلت: وذلك لأنَّ الهيبة والأنس فوق القبض والبسط، والقبض والبسط فوق الخوف والرجاء، فالهيبة مقتضاها الغيبة والدهش، فكل هائب غائب حتى لو قطع قطعًا لم يحضر من غيبته إلا بزوال الهيبة عنه، والأنس مقتضاه الصحو والإفاقة.

ثم إنهم يتفاوتون في الهيبة والأنس، فأدنى (١) مرتبة من الأنس أنه لو ألقي في لظى ما تكدَّر أنسه، لأنَّه لا يشهد إلا هو، ولا يعرف إلا هو، ألا ترى قول السري : يبلغ العبد من الهيبة والأنس إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لم يشعر، وذلك لأنّ الأنس يتولَّد من السرور بالله تعالى، ومن صحَّ له الأنس بالله ﷿ استوحش مما سواه، فهو باقٍ بالله، فإن عين السرى لم ترَ غيره، ولا تشهد لسواه فعلًا، فلم ترَ في الكونين إلا إياه، فلا يقع بصره إلا عليه، ولا معبر (٢) إلا على فعله وخلقه؛ (لأن العارف) (٣) عرف الصنعة بالصانع، ولم يعرف الصانع بالصنعة، ولذلك قال الصدِّيق الأكبر أبو بكر : ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله قبله، وهذا هو المقام الشريف من التوحيد.

واعلم أنّ العبد لا يذوق حلاوة الأنس بالله تعالى إلا إذا قطع العلائق، ورفض الخلائق، وغاص في الدَّقائق، مطَّلعًا على الحقائق، وعن سري السَّقَطي: سمعت حاديًا يحدي في البادية ويقول:

أبكي وما يدريْكِ ما يُبكيني … أبكي حذارَ أن تفارقيني

وتَقطعي حبلي وتهجريني


(١) أ: فأنى.
(٢) ع: معير.
(٣) ض، ع: (ولأن المعارف).

<<  <  ج: ص:  >  >>