ثم اشتهر صيته في الآفاق، وظهرت كراماته، واجتمع عليه الرجال، ووصلوا إلى أمانيهم، حتى بلغ شهرته إلى مدينة قسطنطينية، وطلبه أكابرها وعلماؤها، فلم يلتفت إليهم، وأقام بوطنه إلى أن مات السُّلطان محمَّد خان.
وظهرت الفتنة والفساد في وطنه، فأتى إلى مدينة قسطنطينية، وسكن هناك بجامع زِيْرَك، واجتمع عليه الأكابر والأعيان، فشوش الفقراء بمزاحمة الأكابر، ومال الشَّيخ إلى الارتحال، فبينما هو على ذلك استدعاه الأمير أحمد بك الأورنوسي وكان من محبيه بأن يشرف مقامه بقصبته دار يكيجه سي، بولاية روم إيلي، فقبل كلامه، وأنجح مرامه، وارتحل إليه، فاجتمع عليه الطلاب، وأخذوا عنه ما أخذوا، ووصلوا إلى ما وصلوا، وانتفع ببركة قدومه الخاصة والعامة.
ومات هناك ﵀ سنة ست وتسعين وثمانمئة، ودفن بذلك الموضع، وهناك جامع (١) يزار ويتبرك به.
كان ﵀ في مجالسه الشريفة على الحضور التام، وكان متواضعًا صاحب خلق عظيم، بحيث لو دخل عليه أحد صغير أو كبير، غني أو فقير، يقوم له من مجلسه، ذكر عنده انقطاع الشَّيخ ابن الوفا عن النّاس، وخروجهم إليه موقتًا، وعدم التفاته إلى الأصاغر والأكابر، فقال: اختار جانب الحضور على حسن الخلق.
ويحكي صاحب "الشقائق" عن الشَّيخ مصلح الدِّين الطَّويل، وكان من جملة أحبابه أنّه قال: كنت مع سائر الطالبين عند حضور الشَّيخ بجامع زِيْرَك وعنده الشَّيخ عابد جلبي من أبناء جلال الدِّين الرومي، وكان قاضيًا، ثم تركه وصار ممَّن يلازم خدمة الشَّيخ، فأسرَّ الشَّيخ بكلام إليه، فنظر هو إلى جانب وتبسم، قال: وتعجبت من