للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سكنى طليطلة، - وقد وصفها له - وأن يسكن دار السلطان، فلم آخذ بوصيته فعوقبت، فسكن حينئذ قرطبة.

وغلط بعض أصحاب التاريخ من الأندلسيين، وهو أبو عبد الملك بن عبد البر، في شأن عيسى، بأن جعله ممن رحل إلى مالك، وعده مع زياد، ويحيى بن مضر، وقرعوس بن العباس.

قال: فأما زياد فسمع منه الموطأ، وأما عيسى ويحيى وقرعوس، فلم يبلغنا أنهم سمعوا منه الموطأ، ولا ندري ما الذي منعهم منه، إلا أن نظن أن لقاءهم كان قبل أن يكمله ويخرجه، فانصرفوا كلهم، إلا عيسى، فإنه تلوم بعدهم بالمشرق، ولزم عبد الرحمان بن القاسم، فأخذ منه سماعه في الرأى عن مالك، فجمع علما عظيما.

ثم قال: فانتشر بيحيى وبه، علم مالك بالأندلس، ورجعت الفتيا بها إلى رأيه.

* * *

قال القاضي أبو الفضل: ولم يذكر أحد من أصحاب علم الرجال والأثر سماعا لعيسى عن مالك، ولا أثبتوه، ولا روى أحد من الفقهاء وعلماء الرأى والمسائل له عن مالك مقالا، ولا رفعوا له عنه فتيا، ومثل عيسى في شهرته لا يخفى مثل هذا من فضائله، ويعد أولى مناقبه، كما عد لغيره ممن لم تكن له شهرته. وقد ذكرنا من خبر يحيى بن مضر وقرعوس غير ما ذكر من روايتهما للموطأ عن مالك، ولا شك أن ما ذكر من أن رحلته كانت مع أولئك الأكابر، وأنه تلوم بعدهم، ولم يدر ما الذي منعه من سماع الموطأ من مالك، وهم كله، فقد ذكر أبو محمد بن حزم أن رحلة * عيسى كانت في حدود تسعين ومائة، وهذا بعد موت مالك بنحو عشر سنين.

ويصحح هذا، أنه لم يرو عن أحد من أكابر أصحاب مالك الذين ماتوا في هذه المدة، كالمغيرة، وابن أبي حازم، وابن نافع الصائغ، وغيرهم، إنما روى أقوالهم عن أخيه عبد الرحمان، وكانت رحلة أخيه أيضا بعد موت مالك.