للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعتقه وزوجه ابنته وأوصى إليه بماله، وقضى بشهادتهما، فلم يلبث أحد الشاهدين أن حضرته الوفاة، فأرسل إلى القاضي أنه يريد أن يراه، فدخل عليه، فلما بصر به الشاهد وهو في كربته جثا على ركبتيه وجعل ينجر إليه؛

فقال له القاضي: ما شأنك؟

فقال: إني في النار إن لم تنقذنى منها، الشهادة التي شهدنا بها عندك لفلان لم يكن منها شيء، فاتق الله وافسخ الحكم.

فلم يزد محمد بن بشير على أن وضع يديه على ركبتيه، ثم قام وجعل يقول له: مضى الحكم وأنت إلى النار، وخرج عنه.

قال الفقيه القاضي أبو الفضل عياض رضى الله تعالى عنه: ما فعله ابن بشير من إمضاء الحكم صواب، وقوله وأنت في النار، دون استثناء لعله قصد به الإغلاظ لأمثاله من شهداء السوء، وإلا فمشيئة الله في العفو عنه من وراء هذا بفضله، فقبول توبة مثله ومحو سيئته بها، موعود به.

[ذكر زيه]

وكان ابن بشير قبل استقضائه يفرق شعره إلى شحمة أذنيه، ويلتحف رداء معصفرا على الرسم الأقدم، وكان حسن الزي جميل الخلق، فتمادى على زيه في قضائه؛

قال ابن وضاح: أخبرني من كان يرى محمد بن بشير القاضي داخلا على باب المسجد الجامع يوم الجمعة، وعليه رداء معصفر وفي رجليه حذاء صرار، وعليه جمة مفروقة، ثم يقوم فيخطب ويصلي في زيه، وكذا كان يجلس للقضاء بين الناس، وإن العيون لتغضى عنه مهابة، فإن رام أحد نيل شيء منه من دينه، وجده أبعد منالا من الثريا؛