ولما لفّ في أكفانه، قال أبو محمد بن أبي زيد: رحمه الله، إن أبا سعيد ليس يلقى الله بمثل ذرة من رياء. ولما ورد درّاس بن اسماعيل، أبو ميمونة، القيروان، وعجب الناس من حفظه، بلغ أبا سعيد تقصيره بعلماء القيروان، وأضافته قلة الحفظ إليهم. فقال لأصحابه: اعملوا على أن تجمعوا بيني وبينه لئلا يقول دخلت القيروان ولم أرَ بها عالماً. فما زالوا به، حتى أتوا به الى أبي سعيد في مسجده. فسلم عليه. فألقى أبو ميمونة عليه نحواً من أربعين مسألة، من المستخرجة، والواضحة. فأجابه عنها أبو سعيد. ثم ألقى عليه أبو سعيد عشر مسائل من ديوان محمد بن سحنون، فأخطأ فيها، أبو ميمونة كلها، فعطف عليه أبو سعيد وقال له: لا تغفل عن الدراسة، فإني أرى لك فَهماً. فإن واظبت، كنت شيئاً. فلما قام أبو ميمونة يخرج، لم يعرف الباب من الحيرة. وناظره بعض العراقيين، فقال لهم: أنتم تقولون من سبّ عائشة قتل. والله يقول:" والذين يرمون المحصَنات ثم لم يأتوا بأربعة شُهداء " الآية. والرسول إنما جلد أصحاب عائشة. فلم تأخذوا بالقرآن ولا بالسنّة. فقال له أبو سعيد: قال الله تعالى: " أولئك مُبرأون مما يقولون ". ليضرب مثل البراءة بما في القرآن. وبعد القرآن، من سبّها فقد رد القرآن، ومن رد حرفاً منه، فقد كفر بإجماع. وذكر أنه كان يمشي مع أحد طلبته في فحوص صبرة، فحضرتهم الصلاة.