للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقبله على غير ذلك، فأبى وقال: أنا في غنى عنه، عندى قفيز زيت وخمسة أثمان شعير؛ فقيل له: ما [١] يغنى عنك هذا القدر - وأنت في خمسة من العيال، وفتنة وغلاء؛ فقال: الاشتغال بهذا من الفضول. قال ابنه أبو الطاهر: وكنا إذا بقينا بلا شيء نقتاته، كنت أسمعه في الليل يقول -:

مالي تلاد ولا استظرفت [٢] من نشب … وما أؤمل غير الله من أحد

إن القنوع بحمد الله يمنعني … من التعرض للمنانة النكد

إني لأكرم وجهي أن أعرضه … عند السؤال لغير الواحد الصمد

فذكر ذلك لأبي الحسن القابسي، فقال مثل الجبنياني، يقول هذا ويصدق فيه.

[ذكر ورعه وخوفه وعبادته واستصغاره نفسه]

ذكر أنه في [٣] أول أمره، استأجر نفسه عند رجل بجهة سوسة، يرعى له بقرا؛ فأتاه يوما بفأس، فقال له: اقطع خشبة من هذه الشجرة، فقال له أبو إسحاق: ليست لك إنما هي لأخيك؛ فقال له: صرت لي ضدا، إنما عليك أن تسمع ما آمرك به فتعمله؛ فقال له: بل علي أن أتقي الله، فانصرف عنه، فلحقه بأجرته؛ فقال له: من أين تدفعها لي، أنت لم ترع عن قطع شجرة أخيك في غيبته، فمن أين تدفع لي؟ وذهب ولم يأخذ منه شيئا.

وقال أبو بكر السيوطي: صحبته قديما، فكنا ربما استأجرنا أنفسنا في جمع الزيتون، فإذا دفعت إلينا أجرتنا يحط منها ويقول: نخشى أنا لم نوف، فكيف نستوفي؟


[١] وما: ط م. ما: أ.
[٢] استظرفت: أ ط. استطرقت: م.
[٣] في: أ ط - م.