فبعث فيه الأمير وأعلمه بالأمر، واستشاره في قتاله، وأن يعلم الناس بفرض ذلك عليهم.
فقال له سحنون: غشك من ذلك على هذا، متى كانت * القضاة تشاورها الملوك في صلاح سلطانها؟ ونهض من عنده.
***
وقال ابن اللباد عن أبيه: رأيت ابن أبي الجواد بين يدى سحنون، وعليه كساء قرمسى وعمامة، فقال: أصلحك الله، بأى قول أخذتنى؟ قاض ينظر منذ ثمانية عشر عاما، يقال له: من أين وأين؟ وقد أخبرني أسد بن الفرات، عن مالك، في القاضي يعزل ثم يلى آخر، هل ينظر فيما نظر فيه؟ فقال: لا، له في نفسه ما يشغله. وفي رواية: فإن الناس اختلفوا، فلو كان للمتولى أن ينظر، لما استقر قضاء ولا صح لأحد.
فرد عليه سحنون كلاما، رده عليه ابن أبي الجواد، فقال سحنون: الدرة!
فنزعت عمامته، فقال ابن أبي الجواد: سألتك بالله أن تفعل. فتركه.
قال ابن طالب: شغلنى معنى قول سحنون لابن أبي الجواد: أضربك حتى تقول: أؤدى. قال: وسألت عنها ابنه وابن عبدوس، فكلهم وقف، حتى بان لي أن معناه، أنه كان أظهر العدم، وكان عند سحنون بذلك ملدا، فضربه ليرجع إلى الحق، ولم يقبل منه ما حاد إليه من أداء زوجته عنه، إذ لو كان كما زعم، عديما، ما لزمه أداء شيء ولا أدى غيره عنه.
هذا معنى قول ابن طالب.
وعندى أنا، أن امتناعه، لقول زوجته: أفديه به، وقوله: حتى يقر أنه المال أو بدل منه، وإباية ابن أبي الجواد من هذا.
فهذا فقه حسن دقيق، وحجة بينة لسحنون، إذ مضمون فعله وفعل زوجته فداء له من مظلمة نزلت به، وأنه بحكم المضغوط الذي لا يلزمه ما بذله، فلم ير إطلاقه بهذا الوجه.