قال ابنه محمد: وتخاصم إليه رجلان صالحان من أصحابه ممن نظر في العلم، فأقامهما، وأبى أن يسمع منهما، وقال: استرا على ما ستر الله عليكما.
***
قال غير واحد: أول ما نظر سحنون في الأسواق، وإنما كان ينظر فيها الولاة دون القضاة، فنظر فيما يصلح من المعايش، وما يغش من السلع، ويجعل الأمناء على ذلك، ويؤدب على الغش، وينفى من الأسواق من يستحق ذلك، وهو أول من نظر في الحسبة من القضاة، وأمر الناس بتغيير المنكر، وأول القضاة فرق حلق أهل البدع من الجامع، وشرد أهل الأهواء منه، وكانوا فيه حلقا من الصفرية والأباضية والمعتزلة، وكانوا فيه حلقا يتناظرون به، ويظهرون زينهم، وعزلهم أن يكونوا أئمة للناس، أو معلمين لصبيانهم، أو مؤذنين، وأمرهم ألا يجتمعوا، وأدب جماعة منهم بعد هذا خالفوا أمره، وأطافهم، وتوب جماعة منهم، فكان يقيم من أظهر التوبة منهم على البر أو غيره، فيعلن توبته عن بدعته.
وهو أول القضاة جعل في الجامع إماما يصلى بالناس، وكان ذلك للأمراء، وأولهم جعل الودائع عند الأمناء، وكانت قبل في بيوت القضاة، وأول من قدم الأمناء في البوادى، فكان يكتب إليهم، وكان من قبله يكتب إلى جماعة الصالحين منهم، فأخذت القضاة بهذه السيرة بعده.
وكان يجلس في بيت في الجامع بناه لنفسه إذ رأى كثرة الناس وكثرة كلامهم، فكان لا يحضر عنده غير الخصمين ومن يشهد بينهما في دعواهما، وسائر الناس عنه بمعزل، لا يراهم ولا يسمع لغطهم، ولا يشغل باله أمرهم. فصار الجلوس في ذلك البيت سنة لقضاة المالكية، فإذا ولى عراقي هدمه، وإذا ولى مدنى بناه وحكم فيه.
***
وكان سحنون يكتب للناس أسماءهم في رقاع تجعل بين يديه، ويدعو بهم واحدا واحدا، إلا أن يأتى مضطر أو ملهوف.