تصنعا (٨٤)! مثلك يا أبا الربيع يكون ناظرا للمسلمين.
قال جبلة: كان سحنون لا يأخذ لنفسه رزقا ولا صلة من السلطان في قضائه كله، ويأخذ لأعوانه وكتابه وقضاته من جزية أهل الكتاب.
قال ابن سحنون: وسمعته يقول للأمير: والله لو أعطيتني ما في بيت مالك - أو قال له: لو ملأت مجلسك هذا لي دراهم أو دنانير - ما سألني الله أن أقبل منك ذلك، ولا آخذ منه شيئا. ويقول: لو أخذته لجاز لي، ولكنه تورع.
وسمعته يقول للأمير: حبست أرزاق أعوانى وهم أجراؤك، وقد وفوك عملك، ولا يحل لك ذلك. وقد قال رسول الله ﷺ: أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه.
***
قال ابن مسكين: كان سحنون قبل أن يلى، أشرف منه بعدما ولى، ولقد امتنع من النظر، وجلس في بيته مدة، حتى حضر جنازة، فرأى منكرا، فأمر بتغييره، وانصرف فنظر بين الناس.
قال ابن سحنون: وكان سحنون يضرب الخصوم، إذا آذى بعضهم بعضا بكلام، أو تعرضوا للشهود، ويقول: إذا تعرض للشهود كيف يشهدون؟ ويؤدب الخصم، إن طعن على الشاهد بعيب أو تجريح، أو يقول: سل لي عن البينة فإنهم كذا، حتى يسأله هو عن تجريحه. ويقول الخصم: أنا أعنى منك بذلك، وهو على، دونك.
وكان إذا دخل عليه الشاهد ورعب منه، أعرض عنه حتى يستأنس ويذهب روعه، فإن طال ذلك به هون عليه، وقال له: ليس معى سوط ولا عصا، ولا عليك بأس، أد ما علمت، ودع ما لم تعلم.
قال جبلة: كان سحنون يؤدب الناس على الأيمان التي لا تجوز من الطلاق والعتق، حتى لا يحلفوا بغير الله، ويؤدبهم على سوء الحال في لباسهم، وما نهى عنه، ويأمرهم بحسن السيرة والقصد.