للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما ظفر زيادة الله بعد بالقيروان، جمع العلماء، فسألهم في حال الجند القائمين عليه، فعرفوه ما في العفو، ورغبوه فيه، فقال ابن أبي حسان: العفو مفسدة، ولن يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ويقال بل أنشد:

من لم يؤد به الجميل … ففي عقوبته صلاحه

فقال أبو محرز القاضي، وقيل غيره: العفو أقرب للتقوى، وقال لابن أبي حسان: أمن أجل شويهاتك أو رميكاتك تستحل دماء المسلمين؟

ووجد هؤلاء الكوفيون أعداؤه السبيل إلى التشنيع عليه عند الجند والعامة بهذه الكلمة، فحفظت عليه، وسقط بها.

وقيل: عمد كل من سمع منه علما فكتبه عنه، إلى كتبه، فقطعها على باب داره، وأصبح على باب داره منه شيء كثير، واعتذر عنه من أنصف بأنه إنما أراد فتاك الجند الذين أفسدوا البلد.

قال ابن أبي حسان: رأيت هارون الخليفة وهو يسعى بين الصفا والمروة، فمشى في بطن الوادي، ونسى السعي، فلما جاوزه ذكر، فرأيته رجع القهقرى حتى رجع إلى ما دون بطن الوادي، ثم سعى في بطنه واستدرك ما فاته، فأعجب ذلك من حضره من العلماء؛

ولما أصلح زيادة الله جامع القيروان قال لابن أبي حسان: عاد المسجد مضريا، لأن مختطه عقبة القرشي، وزيادة الله تميمي، وهما مضريان، وكان حسان بن النعمان الغساني ويزيد بن حاتم الأزدي قد جدداه قبل زيادة الله، فقال له ابن أبي حسان: ابل غيرت أحلاسها!

وقال له مرة: محونا آثاركم من الجامع؛

فقال: الأصل لنا والفرع لكم.