قال أبو يوسف: فدخل، وكان على مالك ثياب عدنية سود، فوالله ما رأيت قط أحسن منه فيها، فتزحزح هارون له حتى أجلسه معه على المنصة، فكأن أبا يوسف حسده، فقال له:
ما تقول يا أبا عبد الله في محرم كسر ثنية ظبي؟
فقال مالك: عليه الفدية.
فضحك أبو يوسف وقال: وهل للظبى ثنايا؟
فرفع مالك رأسه إلى هارون وقال له: يا سبحان الله! ما علمت أن أحدا يذكر العلم فيضحك، فلا وقر العلم، ولا مجلس أمير المؤمنين، وإنما أجبته: إن كان الظبى في حالة يكون له سن في موضع الثنية، ففعله محرم، فعليه الفدية، وإلا فقد علمت منه ما علم، وليس هذا ينبغى للناس أن يعلموه، ولا هو بواجب عليهم، ولكن ما تقول في إمام عرفة إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة، هل عليه أن يجهر بالقراءة؟ فإن هذا واجب على المسلمين أن يعلموه.
فقال أبو يوسف: يوسف: يجهر بها.
فقال مالك: أخطأت، والله ما يذهب هذا عن صبيان مكة وسودانهم، دون غيرهم، أن الجمعة إذا وافقت عرفة لا يجهر فيها، يتوارثها الأبناء عن الآباء من لدن رسول الله ﷺ إلى زماننا هذا.
ثم التفت إلى هارون وقال: يا أمير المؤمنين! سفيه سأل عن مسائل السفهاء، توليه على أمور المسلمين؟
وقام، فلما كان وقت الرواح عاد إليه وهو متكئ على المغيرة والمساحقى فسلم عليه، فالتفت أبو يوسف إلى هارون فقال:
يا أمير المؤمنين! أبو عبد الله لا يحدث عن آباء أمير المؤمنين: العباس، وعبد الله، وعلى، وإنما يحدث عن معاوية ومروان وابنه، قد جعل أحاديثهم سننا.