للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القروى (٣٣): كان مالك إذا جلس معنا كأنه واحد منا، ينبسط معنا في الحديث، وهو أشد تواضعا منا له، فإذا أخذ في الحديث تهيينا كلامه كأنه ما عرفنا ولا عرفناه.

ولما حج هاشم بن جريح، وهو حدث، أتى مالك بن أنس، وقد رحل الناس، بورقتين من حديثه فقال له:

اقرأ هذه الأحاديث فقد مضى الناس.

فقال مالك: ينتظر أحدكم حتى إذا رحل الناس، جاء فقال: اقرأ لي فقد رحل الناس.

فالتفت هاشم إلى مالك فقال: أصلحك الله! إن تكن حاجة أو أمر تأمر به انتهيت إلى طاعتك، ووقفت عند أمرك، وفرحت بذلك في نادي قومي، وسدت به على عشيرتي. استودعك الله، فإن طاعتك فرض، وقولك حكم، أستودعك الله.

فلما ولى قال مالك: مثل هذا طلب العلم العلم، ردوه. فبعث في طلبه فأتى به فقرأ له ثم انصرف.

قال القروى: (٣٤): لما كثر الناس على مالك قيل له:

لو جعلت مستمليا يسمع الناس؟

قال: قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبئ" (٣٥) وحرمته حيا وميتا سواء.

قال ابن مهدى: ما أدركت أحدا إلا يخاف هذا الحديث إلا مالكا وحماد بن زيد (٣٦)، فانهما كانا يجعلانه من أعمال البر. وكان مالك يقول: لا ينبغي لأحد عنده علم أن يترك التعليم.


(٣٣) أ: القروي ك، م: المروي - ط: الفروي.
(٣٤) أ: القروي - ك، م: الفروي - ط: الهروي.
(٣٥) الآية ٢ من سورة الحجرات.
(٣٦) حماد بن زيد البصري الحافظ … من أئمة المسلمين … توفى سنة ١٩٧ - الخلاصة للخزرجي.