للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءه صديق له بوثيقة واهية، ليشهد فيها على رجل بحق له قبله، فكره الشهادة فيها لوهيها، وكره اخجال الصديق في ترك الشهادة له، والتقية لله تعالى فى مثلها، وبينة (٦٥٧) المشهود عليه، فيبطل الحق، لكون الوثيقة بخطه، فقال للذي عليه الحق: تشهدنى أن لفلان عليك كذا وكذا الى أجل كذا.

فقال: نعم.

فقيد شهادته على ذلك اللفظ.

وقال الحاجب ابن موسى: سألته يوما عن نسبه وولائه فقال: ولاؤنا لامرأة من أهل جيان.

فجعل الحكم يتعجب من انصافه وتواضعه.

وكان الحاجب هذا يقول: لقد أنعم الله علينا -معاشر أصحاب السلطان أبناء الدنيا- بأحمد بن بقى، يميل بنا الى طلب الآخرة وبيع الدنيا.

وذكره ابن قاسم فقال: كان من أعقل أهل زمانه، وأشدهم وقار! وأحسنهم خلقا، وأكثرهم تصاونا وانقباضا، وأضبطهم لنفسه.

وذكر عنه ابنه أحمد، أنه كان اذا طرقه ضيف ليلا، لم يذبح له شيئا من الحيوان البتة، ويقول: الليل أمان لهذه الداجنة، ويقتصر في قراه على ما يحضر من عسل وجبن وزيتون وشبهه، وكان يعقد الشروط ويحسن الحذق لها، مشهورا بذلك، ولا يوقع شهادته في وثيقة حتى يقرأها.

وكان أحمد بن ابراهيم بن الجباب صاحب الوثائق، فأمر أحمد ابن بقى بالعقد عليه، فكان يتعقب وثائقه، فقال ابن الجباب يوما: من أين يتعاطى ابن بقى أنه أعلم بالوثائق منى؟

"فبلغ ذلك ابن بقى، فأسرها فى نفسه، الى أن كتب ابن الجباب وثائق، وأتى بها الى ابن بقى، فاستفرغ فيها ابن بقى جهده، فأخذ عليه مواضع، وأبانها، ثم قال له: أبدلها.


(٦٥٧) ط: وبينة - أم: وبيعه، فوقها كلمة "كذا" في أ.