للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يدرك غيره بحفظه، وكثيرا ما كان يذكر على الشيوخ أشياء بجودة قريحته، فيرجعون فيها الى رأيه، وكان قبل قضائه معظما، يجلس اليه وجوه الناس فيسألونه، وكأن الطير على رؤوسهم، اعظاما له، وكان مع ذلك موطأ الأكناف، معتدل الأمور، من رآه أحبه (٦٥٣).

وذكر أنه كان شديد الحفظ للقرآن، كثير التلاوة له، يقوم به آناء ليله ونهاره، ويلزم تلاوته فى المصحف، مع قوة حفظه، على طريقة أبيه بقى، وكان ثابت العلم بتفسيره ومعانيه، قوى المعرفة باختلاف العلماء فيه.

ذكر أنه قرأ يوما على الخليفة الناصر سورة "يوسف" ففسرها (٧٦) آية آية، وقص ما قاله الناس* فيها الى خاتمة السورة، وكان دمثا صبورا محتملا، يدفع السيئة بالحسنة.

وذكره ابن حارث فقال: ولى القضاء فجاء أحوذيا (٦٥٤) نسيج وحده، ذا سيرة حسنة، وهدى جميل، ومذاهب محمودة، وله في الوقار والأخبار ما بد به أهل عصره، لب حصيف، ويقظة كاملة، جالسته زمانا، فرأيته جامعا لهذه الخلال الرفيعة.

قال: وكان بليغا فى خطابته، مطبوعا فى ايراده، طويل القلم واللسان، باذا لأفاضل زمانه، سمعت ولى العهد الحكم -وذكره- فذكر من وصف رجاحته وتمام أدواته وفرط تواضعه ما لا شيء فوقه، وكانت أخلاقه من أخلاق أبيه، فى المداراة والاعضاء والصفح.

قال ابنه: كنت بحضرته، إذ أتاه من حكى له عن رجل، أنه رفع عليه بطاقة الى أمير المؤمنين، فجعل أبى يدعو للرافع بالتوبة، ويتخوف عليه الاثم.

ومات بعض كبار قرطبة، فمشى الى داره، وقال لبعض من ماشاه: لقد كان يؤذيني (٦٥٥) في حياته، وهو اليوم أحوج الى أن أصبر عليه (٦٥٦)، فاشهدك أنه في حل مما فعل.


(٦٥٣) اط: احبه -م: اجله.
(٦٥٤) اط: أحوذيا -م: أجوديا.
(٦٥٥) اط: يؤذيني -م: يزورني.
(٦٥٦) اط: أن أصبر عليه -م: أن أصبر اليه.