للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقمنا، فلما كان بعد أيام، لم نشعر إلا وسحنون واقف على بيتى عليه فرو، وبيده عصا، فقال: السلام عليكم، أي شيء تكتب؟

فرددت ، وقلت له: أكتب كتابا من المدونة.

فقال لي: يا أهل الأندلس، أنا أحبكم لأنكم قوم سنة وخير.

ثم مضى، فجئناه يوما ثانيا، وكنت أنا القارئ عليه وأخذتنى زكمة، فربطت رأسى وجلست ناحية، فلما اجتمعنا قال: أين ذا؟ قال: اقرأ.

فقلت: عرض لي شيء.

قال: اقرأ، كما أقول لك.

قال: واستأذنه رجل أن يبنى قنطرة يجوز عليها الناس إلى دار سحنون، فأبى سحنون، لأن كسبه كان من بلاد السودان.

وكان لا يشرب من المواجل التي يبنيها السلاطين تورعا، ويفتى بجواز ذلك، ويقول: إنما هي حجارة جمعوها ساق الله إليها الماء.

وقال بعض أصحابه: خرج سحنون يوما على أصحابه للسماع مغضبا، على وجهه كآبة، إذ جاءه رجل بدوى - وفي رواية: غلام له - فساره بشيء، فضحك سحنون، وأمر بالقراءة، ثم قال لأصحابه: انا أصبنا في عامنا هذا ثمرة كثيرة وزرعا، ولم أصب بمصيبة، فخفت أن أكون سقطت من عين الله تعالى، وإن هذا جاء فأخبرني أن أفره جمالي مات، فسررت بذلك، وعرفت أن الله ذكرني، ويخلف ما ذهب.

وفى رواية أخرى، أن الغلام أخبره بموت زوجه وخادم، وأهلك الريح مائة وخمسين شجرة.

* * *

قال أحمد بن أبي سليمان: كان العلماء يأكلون طعام على بن حميد الوزير، خلا سحنون، وولده، فلم يكن يأتيهم، ولا يأكل طعامهم، ورغبوا إليه في ترك ولده، فقال: أخشى أن أعودهم عادة.