للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا فضلٌ ومزيةٌ في قوة الاجتهاد، وقد قال أصحابنا ومخالفونا: إن تفسير الصحابيّ الراوى لأحد مُحْتَمَلى الخبر أولى من تفسير غيره، وحجةٌ يُترك [١] لها تفسير من خالفه، لمشاهدته [٢] الرسول، وسماعه ذلك الحديث منه، وفَهمِه من حاله، ومخرَج ألفاظه، وأسباب قضيته [٣]، ما يكون له به من العلم بمراده مما ليس عند غيره، فرجَح تفسيره لذلك. فكذلك إجماع أهل المدينة بهذا السبيل، واجتهادهم [٤] مقدَّم على غيرهم ممن نأت داره ولم يبلغه إلا مجرد خبر معَرّىَ من قَرائنِه، سَليب [٥] من أسباب مخارجه.

ولهذا ما رجَّح الشافعي أحاديث شيوخ الصحابة على حديث أسامة في الدماء، قال: لأنّ ابن عمر وَعُبادة والمشيخة أعلم برسول الله من أسامة، ولهذا رَجّح بعضن الأصُوليّن والفقهاء قياسَ الصحابيّ [٦] على قياس غيره، ولذلك رَجّح كثيرٌ منهم عَملَ الصحابيّ بالحديث إذا رواه، (*) على غيره من حديث لم يَعمل به راويه، وقد قال الشافعيّ مرةً: إجماع أهل المدينة أحبُّ إلى من القياس، وهذا قولٌ بأنَّ إجماعهم حجةٌ في وجه، بخلاف إجماع غيرهم الذي لا خلاف من أحد أنه لا تأثير له في الأحكام، إلا ما حكى عن بعض الأصوليين من [٧] أن إجماع أهل الحَرَمين والمِصَرين [٨] حجة كما قدمناه، وما رجح به [٩] أهل الأصول في تعارض الأخبار بعمل أهل مكة والمدينة.

وهذا، أكرمكم الله، منتهى الكلام في هذا الباب، ولُبابُ العقول


[١] وحجه يترك: ب ت خ ك، وحجته يترك: ا ط
[٢] لمشاهدته: ا ب ط ت خ، لمشاهدة: ك
[٣] قضيته: ا ك ط، قصته: ب ت خ
[٤] واجتهادهم: ا ب ت خ، واجتماعهم: ط ك
[٥] سليب: تصويب، سليبا: ك ت، سلوب ا ط
[٦] الصحابي: ك، الصاحب ا ط ت خ ب
[٧] من: ا ط ك، - ب ت خ
[٨] والمصرين: ا ك ب ت خ، والمصريين: ط
[٩] رجح به: ا ب ت ك خ ك، رجح له: ط.