للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سليمان بن سالم: لما تمت ولاية سحنون، تلقاه الناس، فرأيته راكبا على دابة، ما عليه كسوة ولا قلنسوة، والكآبة في وجهه، ما يتجرأ أحد يهنيه.

فسار حتى دخل على ابنته خديجة، وكانت من خيار النساء، فقال لها: اليوم ذبح أبوك بغير سكين.

فعلم الناس قبوله للقضاء.

ولما ولى، جاءه عون بن يوسف، فقال له: نهنيك أو نعزيك؟ ثم سكت. فقال: بلغني أنه من أتاها من غير مسألة أعين عليها، ومن أتاها عن مسألة لم يعن عليها.

فقال له سحنون: من ولته الشفاعة عزلته الشفاعة، ومن ولته الشفاعة حكم بالشفاعة.

فقال له رجل من الأندلس: إنا لله وإنا إليه راجعون، وددنا أنا رأيناك اليوم على أعواد نعشك، ولم نرك في هذا المجلس قاعدا.

***

وكتب عبد الرحيم الزاهد إلى سحنون، لما ولى القضاء: أما بعد، فإنى عهدتك وشأن نفسك عليك مهم، تعلم الخير وتؤدب عليه، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، تؤدبهم على دنياهم، يذل الشريف بين يديك والوضيع، قد اشترك فيك العدو والصديق، ولكل حظه من العدل، فأى حالتيك أفضل، الحالة الأولى أم الثانية؛ والسلام.

فكتب إليه سحنون: أما بعد، فإنه جاءني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وإنى أجيبك أنه لا حول ولا قوة في شيء من الأمور إلا بالله تعالى، عليه توكلت، وإليه أنيب. فأما ما كتبت أنك عهدتني وشأن نفسي على مهم، أعلم الخير وأؤدب عليه، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، أؤدبهم على دنياهم، فلعمرى إنه من لم تصلح له دنياه، فسدت له أخراه، وفى صلاح الدنيا إذا صح المطعم والمشرب صلاح الآخرة، فكلا الأمرين