للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيت أهل طاعة الله تعالى وما صاروا إليه من كرامة الله، ومنزلتهم، مع قربهم من الله تعالى، ونضرة وجوههم، ونور ألوانهم، وسرورهم بالنظر إليه والمكان منه، والجاه عنده، مع قربهم منه، لتقلل في عينيك عظيم ما طلبت به الدنيا.

فاحذر على نفسك حذر غير تغرير، وبادر لنفسك قبل أن تسبق إليها وما تخاف الحسرة فيه عند نزول الموت، وخاصم نفسك لله تعالى على مهل، وأنت تقدر بإذن الله على جر المنفعة إليها، وصرف الحجة عنها، قبل أن يوليك الله حسابها، ثم لا تقدر على صرف المكروه عنها، ولا جر المنفعة إليها.

اجعل لله تعالى من نفسك نصيبا بالليل والنهار، فإن عمرك ينقص مع ساعات الليل والنهار، وأنت قائم على الأرض وهو يسير بك، فكلما مضت ساعة من أجلك، والحفظة لا يغفلون عن الدق والجل من عملك، حتى تملأ صحيفتك التي كتب الله عليك.

فعليك بخلاص نفسك إن كنت لها محبا، فاحذر ما قد حذرك الله تعالى فإنه يقول: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ (٢٣٥) ولا تحقر الذنب الصغير مع ما قد علمت من قول الله تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" (٢٣٦) وقال: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (٢٣٧) وحافظ على فرائض الله تعالى، واجتنب سخط الله، واحذر دعوة المظلوم، واتق يوما ترجع فيه إلى الله، والسلام".

- * -

وقال ابن نافع الصائغ: كتب مالك إلى بعض الخلفاء كتابا فيه: "اعلم أن الله تعالى قد خصك من موعظتى إياك بما نصحتك به قديما، وبينت لك فيه ما أرجو أن يكون الله تعالى جعله لك سعادة وأمرا جعل سبيلك به إلى الجنة، فلتكن - رحمنا الله وإياك - فيما كتبت به


(٢٣٥) الآية ٢٨ من سورة آل عمران.
(٢٣٦) الآيتان ٨، ٩ من سورة الزلزلة.
(٢٣٧) الآية ١٨ من سورة ق.