فقال أبو بكر: الحمد لله - يا فاسق - الذي لم يجعل في قلبك بعض النبي ﷺ، وحبى.
فأقام مسجونا حتى ذهب محمد ابن أخيه إلى المهدية، فأخبر بذلك البغداداى، وكان يحبه، فسعى له عند عبيد الله حتى أمره أن يكتب إلى ابن أبي المنهال بإخراجه من السجن، على ألا يفتى ولا يجتمع إليه الناس (٨٥٢)، ولا يفتى إلا بمذهب السلطان.
وكتب في رقعة داخل الكتاب: ما هذا الذي فعلت؟ عمدت إلى عمدة بلده فأحدثت فيه هذه الأحدوثة، وأثرت البلد، وهذا مما كرهه أمير المومنين، فلا تعد إلى مثل هذا.
فلما وصل إليه الكتاب، أخرجه، وشرط عليه ألا يخشن عليه الجواب.
فلما جاءه رفع مجلسه وقال: هذا كتاب أمير المومنين، نجد فيه ألا تفتى، ولا يجتمع إليك أحد، وإن مرضت فلا تعاد.
فقال أبو بكر: هذه مسألة لم تنزل بعد.
ثم خرج إلى المهدية. فقصد البغدادي، فذكر وصوله لعبيد الله، فقال له: اكتب له كل ما يحب، ولا تدخله على.
فكتب له سجلا ألا ينظر في أمره ابن أبي المنهال، فأراد أن يأخذه. فقال له البغدادي: ليس مثلك يحمل عنايته بيده، تصل إلى بلدك، ويصل مع البريد إليك.
فنفذ ذلك، وبقى أبو بكر لا يسمع إلا في خفية، فلزم داره، وأغلق بابه.
وكان ربما خرج إلى المسجد، فيأتى الطلبة إلى بابه، فتفتح لهم خادمه، فإذا اجتمعوا أتته، فيدخل، وتغلق عليهم، فيقرأون.
(٨٥٢) م: ولا يجتمع إليه الناس - أ ط: ولا يجتمع إليه أحد.