للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فما بقى أحد في المجلس الا ضحك، سوى القاضي، فانه وجم واستعبر وقال: يا بني! لقد ظلمك من ألقى هذا على لسانك.

ثم قال لأهل مجلسه: وا أسفا على ضحككم وسخريتكم منه، انا لله وانا اليه راجعون على قلة التحصيل وعزوب العقول، فان البكاء على هذا أولى وأليق، فما بيننا وبين زوال العافية الا الذهول عن شكرها اللهم أسدل علينا سترها، واحفظ عقولنا بمعرفتك، وارزقنا ذرية طيبة صالحة زكية، تقر أعيننا بها.

فاستحى كل من حضر.

ومن فصول كلامه المستحسن في خطبه، أنه استبحر يوما في الدعاء، فلما وصل الى قوله "وأخلصوا لله دعاءكم" سكت على أثره مليا، الى أن قدر أن الناس دعوا بدعائه، ثم قال: اللهم وقد دعاك هذا النفر من عبادك، الساعون لثوابك، المجتمعون بفنائك، فزعا من عقابك، وطمعا فى ثوابك، ورجاء فى ثنائك، وقبلهم من الذنوب ما قد أحاط به علمك، وأحصاه حفظك، فعد عليهم فى موقفهم هذا برحمة توجب لهم بها جنتك، وتجيرهم بها من عذابك، آمين، يا أرحم الراحمين، انك على كل شيء قدير.

وامتثل كثير من الخطباء سيرته في هذه السكتة في آخر الخطبة الثانية أثناء الدعاء الى يومنا هذا، في بلاد الأندلس.

ولم يزل الناصر عارفا بحق أحمد بن بقى، معظما له، الى أن هلك أحمد، وهو يتولى القضاء والصلاة، ليلة الاثنين، ثالثة جمادى الأولى، سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. وسنه أربع وستون سنة.

مولده مفتتح يوم النحر سنة ستين ومائتين.

وكانت ولايته القضاء نحوا من عشرة أعوام.

* * *