للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يشعرون، فقطعوا الزمر، وغطوا الآلة، وأبلسوا بأجمعهم، لا ينطقون، وملهيهم قائم وسطهم لا يتنفس بكلمة، من خوف القاضي فلم يستنكر القاضى هيئته ومقامه وسطهم، أنه قاص يعظهم، أو تداهى فى أمرهم (٦٦٦)، فسلم عليهم وعلى جماعتهم، وقال: أحسنت أيها الشيخ بوعظك هذه الجماعة، أجرك الله وشكر فعلك، فاستبصر في ارشادهم، واحتسب أجرك على الله، وفقنا الله واياكم لما يرضيه.

وسلم عليهم ومضى لسبيله، فلما أبعد، عادوا لشأنهم، وجعلوا يدعون له ويثنون عليه.

فقال له بعض أصحابه: يبلغ بك حسن الظن بالناس، أن تقف على عصابة باطل فأحمدت مقام مغويهم، وأمرته بما يزداد به في تخليلهم، وكنت بغير ذلك أولى فيه وفيهم.

فقال: معاذ الله أن آتى ما تقولون، بل أنتم عندى آثمون، فانى لم أنكر حالا، ولا رأيت ولا سمعت بأسا، شيخ مسن، حسن السمت، توسمت فيه الخير، لم أشك أن الجماعة أحدقت به لابتغاء البر، وأنه يدعوهم الى الخير، ولو علمت الذي تقولون لكان منى غير ذلك.

وذكر أنه بينا هو يسير يوما اذ عشر أعوانه على صبية تحمل عودا الغناء معشي، فانتزعوه منها، فصاحت الصبية، فقال القاضي: ما لكم ولهذا؟

فقالوا: فى هذا الغشاء عود يجب أن يكسر.

فقال: وما عليكم من عود، أو كلما وجدتم عودا مغطى كسرتموه؟

قالوا: أنه عود الطرب، وآلة الباطل. وأخرجوه من غشائه.

فلما نظر اليه قال: ما أرى الا جميل الصورة لطيف الصناعة، أخرس، ما أسمع منه قولا يلهى.

فقالوا: انما يظهر ذلك عند جس أوتاره. وأقبلوا يحركونها بأصابعهم حتى طنت.


(٦٦٦) اط: او تداهن في أمرهم -م: أو يداني في أمرهم.