فتحت على يومى هذا بشيء من أمر الدنيا إلا دفعته إلى أول من يلقاني، فلم أتمم العقيدة حتى دخل حاجب مؤنس الخادم، ومعه خمسون دينارا، فقال: تنفقها في مصالحك.
فخرجت من البيت، فإذا فقير بين يدى مزين، فلما فرغ من حلق رأسه ناولته الصرة، فقال: ادفعها للمزين، فقد حلق رأسى.
فقلت: إنها دنانير!
فقال: أوليس قد قلنا: إنك بخيل.
فدفعتها للمزين، فقال: اعتقدنا لما جلس الفقير بين أيدينا، ألا نأخذ منه شيئا.
فرميت بها في الدجلة.
وحكى عنه أنه قال: اعتقدت وقتا ألا أكل إلا من الحلال، فكنت أدور في البرارى، فرأيت شجرتين، فمددت يدى إليهما لأكل، غنادتني إحداهما: احفظ عليك عقدك، لا تأكل منى، إني ليهودى.
قال أبو القاسم الأندلسى العابد: خرجت أريد الشبلي ببغداد، فنزلت بها، فقلت أستريح بدخول الحمام، فأتيته، فقال لي صاحبه: يا هذا فيه رجل من أهل الله متق، فدخلت، فإذا شيخ بين يديه صبى، فلما جلست قال: أنت أبو القاسم؟
قلت: نعم.
قال: الأندلسي الجائى إلينا؟
قلت: نعم
قلت: أنت أبو بكر الشبلي؟
فقال لي: نعم.
قال: خذ هذا السطل، فإذا صب الماء الحار فاملأه.
ففعلت، ثم استلقى على ظهره، وقال لي: صبه على جسمي ففعلت.