للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رمضان، في مسجده تسع ختمات، ويصبر على الصلاة قائما، لا يأتي الحكام ولا الأمراء إلا عائدا، منقبضا عنهم، وكان لا يذخر شيئا، ولا مال له، وله إخوان أفاضل يبعثون إليه أبدا ما يقوته، وكان له ابن أخت يبعث إليه كل ليلة ما يأتدم به، وكان يقسم ما يهادى به على من قصده، وكان الأمير عبد الله يفضله، ويعرف حقه، ويكاتبه فيما احتاج إليه، ويرسل فيه، فإذا أتاه الرسول ألقى على نفسه قطيفة، ثم يقول له: إني مريض، فاعتذر عنى.

وذكر غيره أنه كان يواصل الأيام الخمسة ونحوها.

وكان الشيوخ بالمشرق يكرمونه ويعرفون فضل علمه بالحديث، وزهده، وخيره.

وكان ابن الزراد يصفه بكل فضيلة، وأنه لم ير مثله في العقل والفهم، وحفظ معاني الحديث وحسن الحكايات.

قال: وكان إماما.

قال: ولم أر أسخى منه، لو لم يملك غير زيتونة قاسمها مع من أتاه، ولقد عادني مرة، فأخرج إلى نصف جبنة، وقال لي: أعلم أنها لا تصلح للعليل، ولكن كرهت أن آتيك دون شيء، ولم يكن عندى سواها، فلتأكل به الخادم خبزها.

وعادنى مرة أخرى، فأخرج إلى نصف سفرجلة.

حكى أبو عمرو المقرى، عن أبي إبراهيم الفقيه، أن ابن وضاح لما قفل من سفرته الثانية، احتبس لسانه سبعة أيام، فكان لا يستطيع على الكلام، فقال: اللهم إن كان في اطلاق لساني صلاح لنشر هذا العلم فأطلقه.

فأطلق الله تعالى لسانه، وأحيى الله به أهل الأندلس، وانتفعوا به، فكانوا يرون ذلك من أفضل كراماته.