وكان فاشى الصدقات كثير المعروف، ذكر أنه تقاضى مرة مائة دينار من خراج أرحائه، وانصرف مقبلا، فلقى حطابا، فحفن له منها حفنة، ومضى، ثم وقف فسأله: ألك عيال؟
قال: نعم.
فدفع إليه جميع المائة.
وذكر أن رجلا من قريش كان يجاوره ويختلف إليه، فجاءت سنة مجاعة، كاد أن يهلك القرشى فيها ومن معه من الجهد، وتوالت الأمطار، وانقطع التصرف، فبقوا ثلاثة أيام لا يجدون شيئا يأكلونه، فقالوا له في اليوم الرابع، وقد أحسوا الموت: ما جلوسك؟ اخرج واطلب، لا نموت كلنا جملة.
قال القرشى: فخرجت إلى أسطواني، وجلست أفكر فيمن أقصد، وأيست من كل أحد، والسماء تسكب، إذا بفارس قد دخل على، عليه مسطر، فإذا بعبيد الله، فقمت إليه وأعظمت مجيئه، فقال: إليك قصدت، بعد عهدى بك، وخشيت لحوق الضيعة بك لهذه الحال، وهذه عشرة دنانير تنفقها، وفتاى يأتيك بحمل دقيق وربعين زيتا، حتى يفتح الله.
فشكرته، وخرج عنى، وجاء عبداه بما ذكره، فجئنا به.
وكان قد تصدق بثلث ماله مرة، وثانية، وثالثة.
وتوفى يوم الاثنين، لعشر خلون من رمضان، سنة ثمان وتسعين ومائتين.
قال أحمد بن عبد البر: لقد رأيت البدار يوم جنازته من كل ضرب، الأصحاء بناحية، والمرضى بناحية، وأهل الثغور بجانب، واليهود والنصارى كذلك، ما شهدت مثل جنازته، ولا حكى أحد أنه شهد مثلها، لعظيم إحسانه للناس، ومكانه من قلوبهم، وسعيه في حوائجهم، وأفطر ابنه ذلك اليوم، وكثير من الناس، لضرورة الزحام، وما أصابهم من الحر ومزاحم الناس.