للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففعلت مثل ما فعلت قبل.

فأمرهما، فدارا بين يديه، وفصل بينهما بمذهبه، فأخبرت بذلك الأمير، فحمد الله، وسجد شكرا له.

قال الخراط: وكان له كاتب آخر يقال له ابن زرياب، يتولى الديوان، فغاب يومًا عن المجلس، واحتيج إلى النظر في الديوان، ولم يدر ابن البناء ما يعمل فيه، إلى أن ارتفع النهار وتفرق أصحاب القضية.

فجاء ابن زرياب، ونظر فى الديوان، فخرج منه القضية، ثم اعتذر عن تأخره بحضوره نكاحا عند أبي القاسم بن محمد بن عبدوس، وذكر ما لابن عبدوس عليهم من الحق، وأنه لم يمكنه إلا الحضور.

فقال عيسى: ما ظننا بك إلا عذرا من مرض أو مهم فى دارك، وإذا أنت فى هذا: خذوا بيده إلى السجن.

فلما استقر فى السجن، وجه وراءه وقال له: أنت فى اجارة المسلمين، تعطل ما استؤجرت فيه وتشتغل بحضور المأكلات (٣٨٣)! لا تعد، ارجع إلى مكانك.

وذكر أنه كان يقوم فى الليل، فيذكر قصص المتخاصمين عنده واحدًا واحدًا، ويسأل الله أن يحمله فيها على السدد.

ومر يوما على السجن، فأسمعه بعض من سجنه ما يكره، فكلمه في ذلك بعض من حضر، فقال: من يصبر على هذا؟

فقال عيسى: من أين كلمني؟

قالوا: من السجن.

فقال لهم: فايش على أكثر من هذا؟ أخذنا كسرته ونمنعه البكاء؟ أو نحو هذا.


(٣٨٣) أ: "المأكلات" والمأكلة بضم الكاف: ما أكل - ط: الحاطات.