للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ابراهيم الأمير يقول: على بابي رجلان: أحدهما يخاف الله ولا يخافنى، والثانى يخافنى ولا يخاف الله، فأما الذى يخاف الله ولا يخافنى فهو ابن طالب، والثانى فلان، فذلك عظيم الحرمة عندى، وهذا الذى يخافني هين عندي.

قال بعضهم: فذكرت ذلك لابن طالب، فقال: صدق.

قال القصرى: كان ابن طالب يذكر تنازع أصحابنا في المسائل، فربما ذكر في المسألة خمسة أقوال وستة، ثم تسيل دموعه، ويضع خده على الأرض ويقول: يا فتى! أردت أن يقال فقيه! فهل معك عمل صالح تنجو به من عذاب الله؟ والا فما يغنى هذا عنك.

وما رأيت أكثر دموعا عند ذكر رسول الله منه.

وكان مع ذلك يقول: ربما أعجبتنى نفسى، فأقول: يا ابن طالب! هبك أعظم الناس قدرا * وأكثرهم علما، أليس وراء ذلك كله الموت.

ومن كرم أخلاقه ما حدث به محمد بن محبوب قال: كنا عنده يوما، فخاطبه بعض أهل مجلسه بخطاب خشن لا يخاطب مثله بمثله، فنظر بعضنا إلى بعض، وتمادى ابن طالب في مكالمته كأنه ما سمع مكروها.

فلما قام الرجل قال لنا ابن طالب: رأيت نظر بعضكم إلى بعض، وقلت في نفسي: رجل قصدنى يؤدى الذى يجب من حقى، هفا على، أصول عليه بسلطاني؟ هذا من اللؤم!

وكانت لصاحبه عبد الرحمان بن محمد، المعروف بابن (٣٦٨) توزنة، ابنة خاصمها زوجها إلى ابن طالب، فى أمر يجب فيه بينهما اللعان، فأصلحهما ما أمكنه، ثم ألح الزوج عليه حتى حكم باللعان، وتلاعنا وافترقا، وكان عبد الرحمان كثير الزيارة له من أجل العلم والمناظرة، فقال ابن طالب لأصحابه المتكلمين عنده فى العلم: اذا حضر عبد الرحمان فلا يذكر أحد مسألة من باب اللعان.


(٣٦٨) أ، ك، م: المعروف بابن توزنة - ط: المعروف بابن نورنة.