وكتب إليه المعتصم يأمره بأخذ الفقهاء بالمحنة، فاستعفى من ذلك، فكتب ابن أبي داود إلى بكر الأصم يأمره بأخذهم بذلك، فكان رأسًا في ذلك، وحمل الناس فيها؛
فكان هارون يقول: الحمد لله على معافاتي مما ابتلي به غيري.
فذكر أنه نال علماء مصر في ذلك محنة عظيمة، وأن ابن عبد الحكم الكبير (٤١٩) ضرب بالسياط، وضرب بنو عبد الحكم كلهم، وامتحنوا، وامتحن الأصم أيضا أبا الطاهر، وأبا جعفر الأيلى، ويحيى بن بكير، وأبا إسحاق البرقى، وأبا راشد، وضرب ظهره بالسياط، وجعل على حمار وجهه إلى ذنبه، وطيف به، وضرب ابن كاسب، وعبد الله بن زيد بن ظبيان، وقابوس بن أبي ظبيان وغيرهم.
وأجابه بعضهم تقية، وكل من أجابه تركه، ومن أبي عليه بعثه إلى العراق إلى ابن أبي داود؛
وفر جماعة على وجوههم، منهم ابن المواز؛
واختفى آخرون، منهم أصبغ بن الفرج، فلزم داره.
وذكر الكندى أن المأمون لما أخذ الناس بالمحنة في القرآن، كتب إلى أمير مصر بأخذ القاضي هارون، فزعم أنه أجابه، وأنه كان لا يقبل من الشهود إلا من أقربه، وذلك تقية، والله أعلم، وامتثالا لما أمر به.
ويدل على أنه تقية استعفاؤه من الأمر بعد ذلك، وامتحانه على يد هذا الأصم المذكور، وما نذكره بعد.