قال على بن أبى شيبة: وجه الأمير عبد الله، موسى بن محمد، والكلبي، ومحمد بن غالب الفقيه، إلى إبراهيم بن حجاج، فركبوا في بعض الأيام مع ابن حجاج، إلى ابن جنادة، ليشهدوه على ما عقدوه على ابن حجاج، فما تحرك له إذ رآه، ولقد أدنى الفقيه ابن غالب، وأقعده مع نفسه، لا غير، وافترق القوم، فقعدوا على مرافق في البيت، فلما انقضى مجلسهم وقاموا، قال لي: يا أبا على! قرب دوابهم واحملهم.
فقال: يا موسى، الحمد لله الذي بقى للعلم مثل هذه البقية.
فقال محمد بن غالب: والله ما نظرت إلى ابن جنادة قط، إلا تذكرت فتنة محمد بن عبد الحكم، وجلالته، وسنته.
وكان الأمير محمد، ولى غلاما بأشبيلية، فأساء السيرة، فتحمل أهلها رافعين إليه، منهم ابن جنادة، فخرج إليهم فتى من قبل الأمير، يقول عنه لهم: ما رأينا في أهل كورنا أكذب منكم، تظلمتم من عاملنا (٤١٢) ولم يقم عندكم إلا أربعين يوما، فما عسى أن يفعل في هذه المدة؟
فقال ابن جنادة: قد نزل علينا المجوس ثلاثة أيام، ونحن نمنعهم عن أنفسنا ونحاربهم، فما بقى لنا سبد ولا لبد، فكيف بعدو مسلط لا نرفع إليه يدا، ولا نكلمه بلسان، أقام فيها أربعين يوما؟
فأوصل الفتى كلامه إلى الأمير، فقال: من تكلم؟ جماعتهم أو واحد منهم؟
فقال: واحد.
فقال: اخرج فاعرفه، فإذا به ابن جنادة الفقيه، فأوصل ذلك الفتى إلى الأمير.