فوقفت أنظر من أقصد، فقالت لى نفسى: ان قصدت الفقير عساك لا تجد عنده شيئًا يتعشى عياله وأطفاله، وان كان عنده ضيقت عليهم وعممتهم، وان قصدت الغنى وجدت عنده خبزا طيبا من القمح، من أرضه الموروثة، وزيتا من زيتونه، وتينا فاخرا، وعساه يذبح لك خروفا من غنمه، وهى ترعى فى أرضه، فتسره وتجد بغيتك، وتأكل شهوتك.
فخطوت فى طريقه ثلاث خطوات، ثم استيقظت، فقصدت طريق الفقير، فرحب بي وطيب، وأخذ بيدى إلى بيته، فلما جلسنا لنتعشى دق الباب علينا، فخرج فأتاني بصحفة ثريد من القمح، عليها لحم خروف سمين، فقال لي: كل.
فأكلنا حتى شبعنا، وحمل البقية إلى عياله.
ثم ضرب الباب، فخرج، فأتى بطبق فيه صحفة زيت، وتين فاخر، فأكلنا حتى شبعنا.
ثم سألته فقال: أتاني به جار لى.
فقلت له: صح لى به.
فسألته عن السبب.
فقال: نعم، كان عندنا خروف سمناه، وكنا ننتظر به يومًا نفرح الصبيان بذبحه، فحل اليوم ذلك بقلوبنا، فلما ذبحناه وثردنا، ورأيتك نزلت بجارنا، قلت لامرأتى: لا ينزل بصالح إلا صالح مثله، وليس له طاقة، ونحن نجد العوض في غد يومنا، فهل ترين أن نطعمهم اياه، ونسألهم دعوة لنا ولاولادنا؟
فقالت: افعل.
فجئتكما به من على المائدة.
ثم قالت لى الزوجة: لابد من حلاوة، فأعطتنى هذا التين والزيت.