للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يُجَارِي في حُكْمِهِ، ولَمْ تَقَعْ أَبْصَارُ أَهْلِ زَمَانِهِ عَلَى مَثْلِهِ؛ لأنَّ طيْنَتَهُ حُرَّةٌ، وعِرْقُهُ كَرِيْمٌ، وغَرْسُه طَيِّبٌ، ومَنْشَؤُهُ مَحْمُوْدٌ، وكَانَتْ أَفْعَالُهُ كأَخْلاقِهِ، وأَخْلاقُهُ كأَعْرَاقِهِ، وأَوَّلُهُ كآخِرِهِ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ المُبْهَمِ الغَامِضِ من الأُمُورِ، ولا يَتَلَجْلَجُ اشتِبَاهُ المُشْكِلِ الصَّعْبِ في الصُّدُورِ، ولا يَعْرِفُ الشَّكَّ ولا العَيَّ، ولا الحَصَرَ عندَ مُنَاظَرَةِ المُخَالِفِيْنَ والمُوَافِقِيْنَ، ومُجَادَلَةِ المُتكلِّمِيْنَ، وسَائِرِ الفُقَهَاءِ المُخْتَلِفِيْنَ.

وَلقَد كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِس أَبِي جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيُّ (١) في مَنْزِلهِ، ويحضُرُهُ شُيُوْخُ الفُقَهَاءِ والمُتَكَلِّمِيْنَ المُتَابَيِنْيِنَ في الأُصُوْلِ والفُرُوْعِ. فَتَحْضُرُ صَلاةُ الظُّهْرِ والعَصْرِ، فَيَتَأْخَّرُ الكُلُّ ويأتمُّون (٢) بِصَلاتِهِ.

فَلْنَذْكُرِ الآنَ تَبْيِيْنَ مَنْهَجِ السَّلَفِ، وَمَا أُمِرُوا بِأَدَائِهِ إلى الخَلَفِ، وهو الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الوَالِدُ السَّعِيْدُ - قَدَّسَ اللهُ رَوْحَهُ وأَرْوَاحَهُمْ - لِبَعْضِهِم بمعونةِ اللهِ، ونَجتنب ما ذُم أَهْلِ البِدَعِ بسبَبِهِ، رَاجِيْنَ بذكرِهِ جَزِيْلَ الثَّوَابِ، مُتَوقِّيْنَ الخُرُوْجَ عن الصَّوَابِ، بَعْدَ تَعْرِيْفِكَ مَا عَسَى أَنْ تَلْقَّاهُ من ذوي


(١) في (ط): "اليماني" خَطَأٌ ظاهرٌ، والمقصود هنا: أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمود القاضي السِّمْنَانِيُّ، (سِمْنَانُ) العراق؛ لأنَّ هناك (سِمْنَانَ) بلدًا من بلاد قومس. و (سِمْنَانُ) قرية من قُرَى نسا. والقاضي أبو جعفرٍ المذكور هُنا قال عنه الحافظ الخطيب: "كتبتُ عنه، وكان ثِقَةً، عالمًا، فاضلًا، سَخِيًّا، حسن الكلام، عراقي المَذْهَبِ، ويعتقد في الأصول مَذْهبَ الأشعريِّ، وكان له في داره مجلسُ نَظَرٍ يحضرُهُ الفُقَهَاءُ ويَتَكَلَّمُون. وذكر وفاته سنة (٤٤٤ هـ). يُراجع: تاريخ بغداد (١/ ٣٥٥)، والأنساب (٧/ ١٤٩).
(٢) في (ط): "ويأتون" خطأ طباعة.