للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وصَلْنَا العَسْكَرَ أَنْزَلَنَا السُّلْطَانَ دَارًا لإيْتَاخَ (١) ولَم يَعْلَم أَبو عبدِ الله، فسَأَلَ بعدَ ذلكَ؛ لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ؟ فقَالُوا: هذه دارٌ لإيْتَاخَ، فَقَالَ: حَوِّلُونِي واكْتَرُوا لِي دَارًا، قَالُوا: هذِه دارٌ أَنْزَلَكَهَا أَميرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَالَ: لا أَبِيْتُ هَاهُنا، فاكتَرَيْنَا لَهُ دَارًا غَيْرَها، وتَحَوَّلَ عَنْهَا. وكَانَت تَأْتِيْنَا في كلِّ يومٍ مائدةٌ أَمَرَ بها المُتَوَكِّلُ، فيها أَلْوانُ الطَّعَامِ، والفَاكِهَةِ، والثَّلْجُ، وغيرُ ذلك، فَمَا نَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو عَبْدِ الله، ولا ذاقَ مِنْهَا شَيْئاً، وكَانَت نَفَقَةُ المائدِةِ فِي كلِّ يومٍ مَائةً وعِشْرِيْنَ دِرْهَمًا، فَمَا نَظَرَ إِلَيْها أَبُو عبدِ الله، ودَامت العلَّةُ بأبي عبدِ الله، وضَعُفَ ضَعْفًا شَدِيْدًا، وكَانَ يُواصِلُ، فَمَكَثَ ثَمَانيةَ أيَّامٍ مُواصِلاً؛ لَا يأْكُلُ ولا يَشْرَبُ، فلمَّا كَانَ اليومُ الثَّامنُ كادَ أَن يَطْفَأ (٢)، فقلتُ: يا أَبا عبدِ اللهِ، ابنُ الزُّبيرِ كان يُواصِلُ سبعةَ أيَّامٍ، وهذَا لَكَ اليوم ثَمانيةُ أيَّامٍ، فقال: إنِّي مُطِيْقٌ، قلتُ: بحَقيِّ عليكَ، فقال: إذْ (٣) حَلَّفْتَنِيْ بحَقِّكَ فإِنِّي أفْعَلُ، فأتَيتُهُ بسَوِيْقٍ فشَرِبَ.

وَأَجْرَى المُتَوَكِّلُ على وَلَدِهِ وأَهْلِهِ أَربعةَ آلافِ درْهمٍ في كلِّ شهرٍ،


(١) العَسْكَرُ هي (سَامَرَّاء) سُرَّ مَنْ رَأَى. وإِيْتَاخُ المذكورُ هُنا أميرٌ تركيٌّ من أُمَرَاءِ الدَّولة العبَّاسيَّة (ت ٢٣٤ هـ). وكان - كما وَصَفَهُ الحافظُ الذَّهبيُّ - بَطَلاً شُجَاعًا، شَهْمًا، جَرِيْئًا. له أخبارٌ في: "تاريخ الخُلفاء" للعمراني (١٠٦، ١١٤)، ومروج الذَّهب (٢٨١٧)، والوُلاة والقُضاة (١٩٦)، والوَافي بالوَفيَات (٩/ ٤٨١). وتكرر ذكره في تاريخ الطبري (٩/ ٢٩، ٥٦، ٥٧، ٦٧، ٦٩، ٧٢، ٧٥، … )، والكامل في التاريخ (٦/ ٤١٦، ٤٧٩، ٤٨١، ٤٨٧ .. ) وغيرها.
(٢) كذا في الأُصُول، والأصلُ أن لا تدخل "أَنْ" في خَبَرِ "كاد" إلَّا نادرًا.
(٣) في (ط): "إن" والسَّويق: مشهورٌ، وهو من دقيقِ الشَّعِيْرِ يُلَتُّ بالماء والسَّمنِ والعَسَلِ ويُشْرَبُ.