إِنَّ ذَلِكَ هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْل الاِجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ، كَمَا هُوَ الْحَال فِي قُضَاةِ الزَّمَانِ السَّابِقِ، أَمْثَال الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ، وَابْنِ رُشْدٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ، وَعِيَاضٍ، وَقَدْ عُدِمَ هَذَا النَّمَطُ فِي زَمَانِنَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلِذَلِكَ نُقِل عَنْ وُلاَةِ قُرْطُبَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا وَلَّوْا رَجُلاً الْقَضَاءَ شَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَخْرُجَ عَنْ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ، وَإِنَّ سَحْنُونًا كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى مَنْ يُوَلِّيهِ الْقَضَاءَ أَنْ لاَ يَقْضِيَ إِلاَّ بِقَوْل أَهْل الْمَدِينَةِ وَلاَ يَتَعَدَّى ذَلِكَ. (١)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَامًّا، بِأَنْ قَال لَهُ: لاَ تَحْكُمْ فِي جَمِيعِ الأَْحْكَامِ إِلاَّ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلاً، كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلاً، وَهَل يَبْطُل عَقْدُ التَّوْلِيَةِ؟ نُظِرَ، إِنْ كَانَ عَدَل عَنْ لَفْظِ الشَّرْطِ وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الأَْمْرِ كَقَوْلِهِ: احْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ مَخْرَجَ النَّهْيِ كَقَوْلِهِ: لاَ تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ، أَمَّا إِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ خَاصًّا فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا كَقَوْلِهِ: أَقِدْ مِنَ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلاً، وَإِنْ قَرَنَهُ بِلَفْظِ الشَّرْطِ بَطَل التَّقْلِيدُ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا، نُظِرَ، إِنْ نَهَاهُ عَنِ الْحُكْمِ فِي قَتْل الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَلاَ يَقْضِي فِيهِ بِوُجُوبِ قَوَدٍ وَلاَ
(١) تبصرة الحكام لابن فرحون ١ / ٢٢، ٢٣، ٥٧، ٥٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute