التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ:
١٤ - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ بِالتُّهْمَةِ.
أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَوِ الْوَالِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ، إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَلَمْ يَكْتَمِل نِصَابُ الْحُجَّةِ. أَوِ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ يَعِيثُ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا. وَقَالُوا: إِنَّ الْمُتَّهَمَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَلاَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بَل يُعَزَّرُ مُتَّهِمُهُ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُول الْحَال فَيُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ. إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ فَيُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ بِالْحَبْسِ. وَقَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ، وَعَلَيْهِ الْعَمَل.
قَال ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةَ: إِذَا كَانَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْل وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُول فَحَبْسُ هَذَا أَوْلَى. قَال شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الأَْئِمَّةِ أَيْ: أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُول: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَل بِلاَ حَبْسٍ وَلاَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ مَذْهَبًا لأَِحَدٍ مِنَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ، وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَْئِمَّةِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ وَعُمُومِهِ هُوَ الشَّرْعُ، فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُخَالِفًا لِنُصُوصِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلإِِجْمَاعِ الأُْمَّةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَكْفِي لِقِيَامِ التُّهْمَةِ إِنْ كَانَ مَجْهُول الْحَال، شَهَادَةُ مَسْتُورَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَاحِدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute