وَالأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَنَاوَل تَصَرُّفَاتِ الْعِبَادِ فِي مَأْكَلِهِمْ وَمَلْبَسِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ مَسَائِل الْحَظْرِ وَالإِْبَاحَةِ.
وَالأَْحْكَامُ الَّتِي حَدَّدَتِ الْجَرَائِمَ وَالْعُقُوبَاتِ قَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا فُقَهَاؤُنَا اسْمَ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَسَمَّاهَا الْمُحْدَثُونَ بِاسْمِ الْقَانُونِ الْجَزَائِيِّ أَوِ الْجِنَائِيِّ.
وَمِنْ هَذَا الْبَيَانِ الْمُخْتَصَرِ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ الْفِقْهَ تَنَاوَل كُل مَا يَتَّصِل بِالإِْنْسَانِ، فَلَيْسَ قَاصِرًا - كَمَا يَزْعُمُ الْبَعْضُ - عَلَى تَنْظِيمِ عَلاَقَةِ الإِْنْسَانِ بِرَبِّهِ، فَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ إِمَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ بِالْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ وَمَوْضُوعَاتِهِ.
ج - تَقْسِيمُ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ حِكْمَتِهِ:
٤٤ - تَنْقَسِمُ مَسَائِل الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِدْرَاكُ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ فِيهِ أَوْ عَدَمُ إِدْرَاكِهَا إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَحْكَامٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَقَدْ تُسَمَّى أَحْكَامًا مُعَلَّلَةً، وَهِيَ تِلْكَ الأَْحْكَامُ الَّتِي تُدْرَكُ حِكْمَةُ تَشْرِيعِهَا، إِمَّا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ، أَوْ يُسْرِ اسْتِنْبَاطِهَا. وَهَذِهِ الْمَسَائِل هِيَ الأَْكْثَرُ فِيمَا شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حَيْثُ: لَمْ يَمْتَحِنَّا بِمَا تَعْيَا الْعُقُول بِهِ حِرْصًا عَلَيْنَا فَلَمْ نَرْتَبْ وَلَمْ نَهِمْ وَذَلِكَ كَتَشْرِيعِ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَتَشْرِيعِ إِيجَابِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ، وَالْعِدَّةِ فِي الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ وَالأَْوْلاَدِ وَالأَْقَارِبِ، وَكَتَشْرِيعِ الطَّلاَقِ عِنْدَمَا تَتَعَقَّدُ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ. . . إِلَى آلاَفِ الْمَسَائِل الْفِقْهِيَّةِ.
وَثَانِيهِمَا: أَحْكَامٌ تَعَبُّدِيَّةٌ، وَهِيَ تِلْكَ الأَْحْكَامُ الَّتِي لاَ تُدْرَكُ فِيهَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْفِعْل وَالْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كَعَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَكَأَكْثَرِ أَعْمَال الْحَجِّ. وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الأَْحْكَامَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأَْحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى.
وَتَشْرِيعُ هَذِهِ الأَْحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ اخْتِبَارُ الْعَبْدِ هَل هُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute